للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ربح وذلك قوله قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ أي ببلوغ الآخرة وثوابها وعقابها.

عبر عن ذلك بلقاء الله لأنه لا حكم لأحد هناك إلا لله بخلاف الدنيا فإنه قد يظن أن للإنسان تصرفا واختيارا وملكا وملكا. وحمل اللقاء على الرؤية أيضا غير بعيد عند أهل السنة.

و «حتى» غاية ل كَذَّبُوا لا ل خَسِرَ لأن خسرانهم لا غاية له أي لم يزل بهم التكذيب إلى تحسرهم وقت مجيء الساعة بل وقت موتهم، فإن أمارات السعادة والشقاوة تلوح على صفحات أحوال المكلف من وقتئذ وهذا معنى

قوله صلى الله عليه وسلم «من مات فقد قامت قيامته»

وسمى يوم القيامة الساعة لسرعة الحساب فيه كأنه قيل: ما هو إلا ساعة الحساب، أو لأنها تفجأ الناس في ساعة لا يعلمها إلا الله تعالى ولهذا قال بَغْتَةً أي فجأة. وانتصابها على الحال أي باغتة من بغته إذا فاجأه، أو على المصدر العام أي بغتتهم الساعة بغتة أو الخاص لأن البغت نوع من المجيء قالُوا عامل «إذ» يا حَسْرَتَنا مثل يا وَيْلَتى [الفرقان: ٢٨] وقد مر مثله في سورة المائدة أي احضري فهذا وقتك عَلى ما فَرَّطْنا أصله يدل على الترك والهمزة في الإفراط لإزالة ذلك. وقولهم فرطت القوم أي سبقتهم إلى الماء، معناه تركتهم من ورائي حتى حصل لي التقدم. أما الضمير في فِيها فقال ابن عباس: أي في الدنيا وإن لم يجر لها ذكر في الآية بدلالة العقل لأن موضع التقصير هو الدنيا. وقال الحسن: أي في وقت الساعة على معنى قصرنا في شأنها والإيمان بها وإعداد الزاد وتحصيل الأهبة لها.

وقال محمد بن جرير الطبري: يعود إلى الصفقة والمبايعة بدلالة ذكر الخسران. وقيل: إلى ما فيما فرطنا أي يا حسرتنا على الأعمال والطاعات التي تركناها وقصرنا فيها. ثم بين تضاعف خسرانهم بأنهم لم يحصلوا لأنفسهم مواجب الثواب ولكن حصلوا مواجب العقاب فقال وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ هي الآثام والخطايا. وأصل الوزر الثقل ومنه الوزير لأنه يحمل ثقل صاحبه. والوزر الملجأ لأنه يدفع عنه ما أصابه فكأنه حمله. أما كيفية حملهم الأوزار فقال في الكشاف: إنه مجاز عن حصولها لهم كقوله فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: ٣٠] لأنه اعتيد حمل الأثقال على الظهور كما ألف الكسب بالأيدي. وقال الزجاج: الثقل قد يذكر في الحال والصفة. ثقل عليّ خطاب فلان أي كرهته، فالمعنى أنهم يقاسون عذاب ذنوبهم مقاساة ثقل ذلك عليهم. وقيل: هو كقولك: شخصك نصب عيني أي ذكرك ملازم لي. وقال جمع من المفسرين: إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله شيء هو أحسن الأشياء صورة وأطيبها ريحا فيقول: أنا عملك الصالح طالما ركبتك في الدنيا فاركبني أنت اليوم فذلك قوله يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً [مريم: ٨٥] قالوا ركبانا وإن الكافر إذا خرج من قبره استقبله شيء هو أقبح الأشياء صورة وأخبثها ريحا فيقول: أنا عملك الفاسد طالما ركبتني في الدنيا فأنا أركبك اليوم قاله قتادة والسدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>