ذلك وهو أن كلفهم وأزال عنهم الأعذار والعلل وبعث الأنبياء والرسل وأخذهم بالبأساء والضراء ثم نقلهم إلى الآلاء والنعماء إلا أنهم لم يزدادوا إلا انهماكا في الغي والضلال فطهر وجه الأرض من شركهم. وفيه إيذان بوجوب الحمد لله عند هلاك كل ظالم فإن ذلك من جملة آلاء الله سبحانه، ثم عاد إلى الدلالة على وجود الصانع الحكيم المختار وبيان وحدته جل جلاله فقال قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ وتقرير ذلك أن أشرف أعضاء الإنسان هو السمع والبصر والقلب كما عدّدنا منافعها في أوائل الكتاب، ولا ريب أن القادر على تحصيل قواها فيه وصرفها عن الآفات والمخافات ليس إلا الله وحده، ومعنى أخذ السمع والبصر تعطيل منافعهما، ومعنى الختم على القلب إزالة العقل حتى يصير كالمجانين. قال ابن عباس: إنه الطبع أو الإماتة حتى لا يعقل الهدى والصلاح يَأْتِيكُمْ بِهِ أي بذلك الذي أخذ من السمع والبصر والقلب، فوضع الضمير موضع اسم الإشارة بناء على أن الضمير المذكور بحكم الاستعمال يلزم أن يكون لذي عقل ولو فرضا. والأحسن أن يقال: إنه ذكر أشياء متعددة فوجب أن يعود الضمير إلى جميعها مؤنثا إذ لا ترجيح، وحيث لم يكن الضمير مؤنثا علم أنه أراد المذكور مطلقا فتعين أن يشار إليه بذلك. ثم إنه أقام الضمير المذكور مقامه أو يعود إلى ما أخذ وختم عليه وصح من غير التكلف المذكور بحكم التغليب انْظُرْ يا محمدا وكل من له أهلية النظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ نوردها على الوجوه المختلفة المتكاثرة بحيث يكون كل واحد منها يقوّي ما قبله في الإيصال إلى المطلوب. ومعنى «ثم» التفاوت بين الحالين. ويَصْدِفُونَ أي يعرضون. ويقال: امرأة صدوف للتي تعرض وجهها عليك ثم تصدف أي تعرض. والصدف ميل في الحافر إلى الشق الوحشي. وصدف الدرة غشاؤها لميل فيه، قال الكعبي: لو خلق الله فيهم الإعراض والصد لم ينكر ذلك عليهم. وقالت الأشاعرة: لولا منع الله تعالى لنجع فيهم الدلائل القاطعة للأعذار. ثم عمم الدليل بقوله قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ والمعنى أنه لا دافع لنوع من أنواع العذاب إلا الله سبحانه فوجب أن لا يكون معبودا إلا هو. ثم العذاب المفروض إما أن يجيء من غير سبق أمارة تدل على ذلك وهو البغتة وأكثر ما يكون ذلك بالليل، أو مع سبق أمارة وهو الجهرة وأكثره بالنهار ولهذا قال الحسن: معناه ليلا أو نهارا. أما قوله هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ أي لا يهلك مع قوله وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً فمعناه أن الهلاك بالحقيقة وهو هلاك التعذيب والسخط مختص بالظالمين الأشرار لأن الأخيار وإن عمهم العذاب إلا أنهم يستفيدون بذلك ثوابا جزيلا، فهو لهم بلاء في الظاهر وآلاء في الحقيقة خلاف الظلمة فإنهم يخسرون الدنيا والآخرة ومثله
قوله صلى الله عليه وسلم «إن أمر المؤمن خير كله إن أصابته ضراء