للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التام بما في هذا الجنس والعلم المحيط بحقائقه وأسراره. ولو قيل: المراد بالإيتاء الابتداء بالوحي والتنزيل كصحف إبراهيم وتوراة موسى وإنجيل عيسى لم يشمل كل المذكورين لأنه تعالى ما أنزل على كل واحد منهم كتابا على التعيين. فَإِنْ يَكْفُرْ بِها أي بالأمور الثلاثة أو بالنبوة هؤُلاءِ يعني أهل مكة فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ أي ليسوا كافرين بها ومن توكيلهم بها أنهم وفقوا للإيمان بها والقيام بحقوقها كما يوكل الرجل بالشيء ليقوم به ويتعهده ويحافظ عليه. ومن القوم؟ قيل: كل مؤمن وقيل: أهل المدينة وهم الأنصار.

وقيل: هم والمهاجرون. وقال الحسن: هم الأنبياء الذين تقدم ذكرهم واختاره الزجاج لقوله عقيب ذلك أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وقال أبو رجاء: يعني الملائكة وضعف بأن اسم القوم قلما يقع على غير بني آدم. وفي الآية دلالة على أنه تعالى سينصر نبيه ويظاهر دين الإسلام على كل الأديان وقد وقع ما وعد وكان إخبارا بالغيب فصح إعجاز القرآن. وفيها استدلال للأشاعرة على أنه تعالى خلق قوما للإيمان ولو كان خلق الكل للإيمان والبيان والتمكين وفعل الألطاف مشتركا بين الكل لم يصح هذا التخصيص. أجاب الكعبي بأنه زاد المؤمنين من الألطاف ما لا يحصيه إلا الله، وبتقدير أن يستوي فإذا لم ينتفع به الكافر صح بحسب الظاهر أن يقال إنه لم يحصل له تلك الألطاف. ورد بأن الألطاف الداعية إلى الإيمان مشترك فيها بين الكافر والمؤمن، وبأن الوالد لما سوّى بين الولدين في العطية ثم إن أحدهما ضيع نصيبه فأي عاقل يجوّز أن يقول أحد إن الأب ما أنعم عليه وما أعطاه شيئا فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ من حذف الهاء في الوصل فعلى الأصل، ومن أثبتها في الوصل كما في الوقف أراد موافقة المصحف فإن الهاء ثابتة في الخط فكره مخالفة الخط في الحالين. وأما قراءة ابن عامر بكسر الهاء بغير إشباع فقال أبو بكر بن مجاهد: إنها غلط. وقال أبو علي الفارسي:

ليست بغلط ووجهها أن يجعل الهاء كناية عن المصدر الدال عليه الفعل. والتقدير: فبهداهم اقتد الاقتداء. وتقديم المفعول للاختصاص أي لا تقتد إلا بهم. ولا خلاف في أنه أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بالأنبياء المذكورين. إنما الكلام في تفسير الهدى. فمن الناس من قال: المراد الذي أجمعوا عليه وهو القول بالتوحيد والتنزيه عن كل ما لا يليق به في الذات والصفات والأفعال. وقال آخرون: المراد به الاقتداء بهم في شرائعهم إلا ما خصه الدليل، وعلى هذا فيلزمنا شرع من قبلنا، وقيل: اللفظ مطلق فيحمل على الكل إلا ما خصه الدليل المفصل. وقال القاضي: هذا بعيد لأن شرائعهم مختلفة متناقضة ولا يمكن الإتيان بالأمور المتناقضة معا، ولأن الهدى عبارة عن الدليل دون نفس العمل، ودليل إثبات شرعهم كان مخصوصا بتلك الأوقات، ولأن منصبهم يلزم أن يكون أجل من منصبه وأنه باطل بالإجماع، وأجيب بأن العام يجب تخصيصه في الصورة المتناقضة فيبقى فيما عداها حجة، وبأن

<<  <  ج: ص:  >  >>