للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القلم: ٧] وهذا هو الأصل، وإنما خص هذه السورة بالحذف موافقة لقوله: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام:

١٢٤] وعدل إلى لفظ المستقبل تنبيها على قطع الإضافة لأن أكثر ما يستعمل «أفعل من» يستعمل مع الماضي نحو «أعلم من دب ودرج» و «أحسن من قام وقعد» و «أفضل من حج واعتمر» . فلو لم يعدل إلى لفظ المستقبل التبس بالإضافة تعالى الله عن ذلك. وجوّز بعضهم أن يكون «من» للاستفهام كقوله: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى [الكهف: ١٢] ثم قال: فَكُلُوا والفاء مسبب عن إنكار اتباع المضلين الذين يحلون الحرام ويحرّمون الحلال، وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين: إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله فما قتله الله أحق أن تأكلوا مما قتلتم أنتم. فقال الله سبحانه للمسلمين: إن كنتم محققين بالإيمان فكلوا مما ذكر اسم الله عليه وهو المذكى ببسم الله. فإن قيل: إن القوم كانوا يبيحون ما ذبح على اسم الله تعالى ولا ينازعون فيه. وإنما النزاع في أكل الميتة فإنهم كانوا يبيحونها والمسلمون يحرمونها، فما الحكمة في إثبات الحكم في المتفق عليه وترك الحكم في المختلف فيه؟

فالجواب لعل القوم كانوا يحرمون أكل المذكاة ويبيحون أكل الميتة فرد الله تعالى عليهم في الأمرين بقوله: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وبقوله: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام: ١٤٥] أو نقول: المراد اجعلوا أكلكم مقصورا على ما ذكر اسم الله عليه، وعلى هذا فيكون المراد تحريم الميتة فقط والله أعلم. أما قوله: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ فأكثر المفسرين قالوا: المراد به ما فصل في أول المائدة من قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة: ٣] إلى آخر الآية، واعترض عليه بأن سورة الأنعام مكية والمائدة من آخر ما نزل بالمدينة، والآية تقتضي أن يكون المفصل مقدما على هذا المجمل بل الأولى أن يقال:

المراد قوله تعالى بعد هذه الآية: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً [الأنعام: ١٤٥] إلى آخرها. فإن هذا القدر من التأخر غير ضائر. وقوله: إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ أي دعتكم الضرورة إلى أكله بسبب شدّة المجاعة وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ المبالغة في قراءة ضم الياء أكثر لأن كل مضل فإنه يكون ضالا، وقد يكون الضال غير مضل، قيل: إنه عمرو بن لحي فمن دونه من المشركين لأنه أول من غير دين إسماعيل واتخذ البحائر والسوائب وأكل الميتة.

وقوله: بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ يريد أن عمرو بن لحي أقدم على هذه المذاهب عن الجهالة الصرفة، وقال الزجاج: المراد منه الذين يحللون الميتة ويناظرون في إحلالها، أو يحتجون عليها بقولهم إذ حل ما تذبحونه أنتم فلأن يحل ما يذبحه الله تعالى أولى، وكذلك كل ما يضلون فيه من عبادة الأوثان والطعن في نبوّة محمد صلى الله عليه وآله. وفي الآية دلالة على أن النزاع في الدين بمجرد التقليد حرام إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ فيجازيهم عليها

<<  <  ج: ص:  >  >>