فيكون هذا المذهب مذموما. الثاني قوله: كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فلم يذكر المكذب به تنبيها على أنهم جاؤا بالتكذيب المطلق لأن الله عز وعلا ركب في العقول وأنزل في الكتب ما دل على غناه وبراءته من مشيئته القبائح وإرادتها، والرسل أخبروا بذلك فمن علق وجود القبائح من الكفر والمعاصي بمشيئة الله وإرادته فقد كذب التكذيب كله وهو تكذيب الله ورسله وكتبه ونبذ أدلة السمع والعقل وراء ظهره. والحاصل أن هذا طريق متعين لكل الكفار المتقدمين منهم والمتأخرين في تكذيب الأنبياء وفي دفع دعوتهم عن أنفسهم لأنهم يقولون الكل بمشيئة الله تعالى. الثالث قوله: حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا وذلك يدل على أنهم استوجبوا الوعيد من الله تعالى في هذا المذهب. الرابع قوله: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا وإنه استفهام على سبيل الإنكار أي لا علم لهؤلاء القائلين ولا حجة.
الخامس: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ السادس: وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ السابع: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ لأنه أزال الأعذار بالتمكين والإقدار فلم يبق لكم على الله حجة وإنما الحجة البالغة له عليكم وذلك أنكم تقولون: لو أتينا بعمل على خلاف مشيئة الله لزم أن يكون الإله عاجزا مغلوبا. وهذا الكلام غير لازم لأن الله قادر على أن يحملكم على الإيمان والطاعة على سبيل القهر والإلجاء إلا أن ذلك يبطل الحكمة المطلوبة من التكليف وهذا هو المراد من قوله: فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ وبوجه آخر إن كان الأمر كما زعمتم أن ما أنتم عليه بمشيئة الله فلله الحجة الكاملة عليكم فإن تعليقكم دينكم بمشيئة الله يقتضي أن تعلقوا دين من يخالفكم أيضا بمشيئته فتوالوا جميع أهل الأديان ولا تعادوهم. أجابت الأشاعرة بأنا قد بينا بالدلائل القاطعة من أول القرآن إلى هاهنا صحة مذهبنا فوجب تأويل هذه الآية دفعا للتناقض فنقول: إن القوم كانوا يتمسكون بمشيئة الله تعالى في إبطال دعوة الأنبياء، وفي أن التكليف عبث فبين الله تعالى أن ذلك من تكاذيبهم وأكاذيبهم، وأن التشبث بهذا العذر لا يفيدهم لأنه إله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا اعتراض لأحد عليه، شاء الكفر من الكافر ومع ذلك بعث الأنبياء وأمر بالإيمان، وورود الأمر على خلاف الإرادة غير ممتنع ويؤيد ذلك ما روي عن ابن عباس: أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب القدر فجرى بما يكون إلى قيام الساعة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله «المكذبون بالقدر مجوس هذه الأمة»«١»
ثم إن ظاهر آخر الآية معناه وهو قوله: فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ وحمل المشيئة على مشيئة الإلجاء والقسر تعسف والله أعلم. ثم لما أبطل جميع حجج الكفار بين أنه ليس