للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصميما لا يرعوي بعده فقط دون من عداهم من الكفار الذين أسلموا بدليل الحديث عنهم باستواء الإنذار وتركه عليهم.

الرابعة: الكفر نقيض الإيمان فيختلف تعريفه باختلاف تعريف الإيمان، وقد تقدم.

وأصل الكفر الستر والتغطية ومنه الكافر لأنه يستر الحق ويجحده، والزارع كافر لأنه يستر الحب، والليل المظلم كافر لأنه بظلمته يستر كل شيء، والكافر الذي كفر درعه بثوب أي غطى ولبسه فوقه. قال في التفسير الكبير: «كفروا» إخبار عن كفرهم بصيغة الماضي فيقتضي كون المخبر عنه متقدما على ذلك الإخبار. فللمعتزلة أن يحتجوا بهذا على أن كلام الله محدث، فإن القديم يستحيل أن يكون مسبوقا بالغير. قلت: التحقيق في هذا وأمثاله أن كلامه تعالى أزلي إلا أن حكمته في باب التفهيم والتعليم اقتضت أن يكون كلامه على حسب وصوله إلى السامعين ضرورة كونهم متزمنين، فكل ما هو متقدم على زمان الوصول وقع الإخبار عنه في الأزل بلفظ الماضي، وكل ما هو متأخر عن زمان الوصول وقع الإخبار عنه بلفظ المستقبل نحو لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ [الفتح: ٢٧] سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ [آل عمران: ١٥١] وإلا اختل نظام التفاهم والتخاطب. ومن هذا يعلم أن قوله سَنُلْقِي ليس كونه مستقبلا بالنظر إلى الأزل مقصودا بالنسبة إلى المخاطبين، وإنما المقصود استقباله بالنظر إلى زمان نزول الآية فافهم.

الخامسة: «سواء» اسم بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران: ٦٤] فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ [فصلت: ١٠] يعني مستوية، وارتفاعه على أنه خبر «إن» و «أأنذرتهم أم لم تنذرهم» في موضع الفاعل أي مستو عليهم إنذارك وعدمه نحو: إن زيدا مختصم أخوه وابن عمه. ويحتمل أن يكون «أأنذرتهم أم لم تنذرهم» في موضع الابتداء، و «سواء» خبر مقدم، والجملة خبر «إن» . وإنما صح وقوع الفعل مخبرا عنه مع أنه أبدا خبر نظرا إلى المعنى كقولهم: لا تأكل السمك وتشرب اللبن. معناه لا يكن منك أكل السمك وشرب اللبن، وإن كان ظاهر اللفظ على ما لا يصح من عطف الاسم على الفعل، فإن «أن» مع الفعل في تقدير المصدر على الفعل وهو النهي، وقد جردت الهمزة. و «أم» لمعنى الاستواء وسلخ عنهما معنى الاستفهام رأسا. قال سيبويه: هذا مثل قولهم «اللهم اغفر لنا أيتها العصابة» يعني أن هذا جرى على صورة الاستفهام ولا استفهام، كما أن ذاك جرى على صورة النداء ولا نداء. ومعنى الاستواء في الداخل عليهما «الهمزة» و «أم» استواؤهما في علم المستفهم، لأنه قد علم أن أحد الأمرين كائن لكن لا بعينه وكلاهما معلوم بعلم غير معين. والحاصل أن الاستفهام يلزمه معنيان:

<<  <  ج: ص:  >  >>