للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاطع وظاهر العموم دليل مظنون فلا يعارض القاطع. وزيف بأنكم أثبتم أن الإجماع حجة بعموم قوله وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء: ١١٥] تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: ١١٠] وبعموم

قوله صلى الله عليه وآله «لا تجتمع أمتي على الضلالة» «١»

والفرع لا يكون أقوى من الأصل. أجاب المثبتون بأن الآيات والأحاديث والإجماع لما تعاضدت في إثبات القياس قوي الظن وحصل الترجيح. ومن الحشوية من أنكر النظر في البراهين العقلية تمسكا بالآية. وأجيب بأن العلم بكون القرآن لحجة موقوف على صحة التمسك بالدلائل العقلية فكيف تنكر. ثم ختم المخاطبة بنوع معاتبة فقال:

قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ أي تذكرون تذكرا قليلا. و «ما» مزيدة لتوكيد القلة. ثم ذكر ما في ترك المتابعة من الوعيد فقال: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ فموضع «كم» رفع بالابتداء و «من» مزيدة للتأكيد والبيان أي كثير من القرى أَهْلَكْناها مثل زيد ضربته وتقدم النصب أيضا عربي جيد وفي الآية حذف لا لقرينة الإهلاك فقط فإن القرية تهلك بالهدم والخسف كما يهلك أهلها ولكنه يقال التقدير: وكم من أهل قرية لقوله فَجاءَها بَأْسُنا والبأس بالأهل أنسب ولقوله:

أَوْ هُمْ قائِلُونَ ولأن الزجر والتحذير لا يقع للمكلفين إلا بهلاكهم ولأن معنى البيات والقيلولة لا يصح إلا فيهم. وإنما قال: فَجاءَها ردا بالكلام على اللفظ أو كما يقال الرجال فعلت. وهنا سؤال وهو أن قوله: فَجاءَها بَأْسُنا يقتضي أن يكون الهلاك مقدما على مجيء البأس ولكن الأمر بالعكس. والعلماء أجابوا بوجوه منها: أن المراد حكمنا بهلاكها أو أردنا إهلاكها فجاءها كقوله: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة: ٦] ومنها أن معنى الإهلاك ومعنى مجيء البأس واحد فكأنه قيل: وكم من قرية أهلكناها فجاءهم إهلاكنا وهذا كلام صحيح. فإن قيل: كيف يصح والعطف يوجب المغايرة؟

فالجواب أن الفاء قد تجيء للتفسير

كقوله صلى الله عليه وآله «لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه فيغسل وجهه ويديه»

فإن غسل الوجه واليدين كالتفسير لوضع الطهور مواضعه فكذا هاهنا مجيء البأس جار مجرى التفسير للإهلاك لأن الإهلاك قد يكون بالموت المعتاد وقد يكون بتسليط البأس والبلاء عليهم وقريب منه قول الفراء: لا يبعد أن يقال البأس والهلاك يقعان معا كما يقال: أعطيتني فأحسنت. وما كان الإحسان بعد الإعطاء ولا قبله وإنما وقعا معا. ومنها أن ذلك محمول على حذف المعطوف والتقدير: أهلكناهم فحكم بمجيء البأس لأن الإهلاك أمارة للحكم بوصول مجيء البأس. ومنها أنه من باب القلب الذي يشجع عليه أمن الإلباس كقولهم: عرضت الناقة على الحوض. وقوله بَياتاً


(١) رواه ابن ماجه في كتاب الفتن باب ٨

<<  <  ج: ص:  >  >>