للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباء بقوله: لَأَقْعُدَنَّ لأن لام القسم تأبى ذلك. لا يقال: والله يريد لأمرنّ. لأن حكم القسم وما يتلوه حكم همزة الاستفهام وحرف النفي الذي هو ما وهي تعمل من حيث المعنى لا من حيث اللفظ فكأنها عوامل ضعيفة فلم يتقدم عليها شيء من معمولاتها لضعفها. وإنما يتعلق بفعل القسم المحذوف و «ما» مصدرية تقديره: فبما أغويتني أي فبسبب إغوائك إياي أقسم. ويجوز أن تكون الباء للقسم أي فأقسم بإغوائك لأقعدن.

ومعنى القسم بالإغواء أنه من جملة آثار القدرة أي بقدرتك عليّ ونفاذ سلطانك في لأقعدن.

وقال في الكشاف: إن الأمر بالسجود كان سبب إغوائه وهو تكليف والتكليف من أحسن أفعال الله لكونه تعريضا لسعادة الأبد فكان جديرا بأن يقسم به وهذا يناسب أصول الاعتزال.

قال مشايخ العراق: الحلف بصفات الذات كالقدرة والعظمة والجلال والعزة يمين، والحلف بصفات الفعل كالرحمة والغضب لا يكون يمينا. ويعني بصفات الفعل ما يجوز أن يوصف بضده فيقال: رحم فلانا ولم يرحم فلانا وغضب ولم يغضب. وقال بعضهم: ما للاستفهام كأنه قيل: بأي شيء أغويتني ثم ابتدأ فقال: لَأَقْعُدَنَّ ويرد على هذا القول أن إثبات الألف إذا أدخل حرف الجر على «ما» استفهامية قليل. قيل: إن إبليس أضاف الإغواء هاهنا إلى الله وفي قوله: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ [ص: ٨٢] أضاف الإغواء إلى نفسه والأول يدل على الجبر والثاني على القدر، وهذا دليل على أنه كان متحيرا في هذه المسألة. أجابت المعتزلة عن قوله: فَبِما أَغْوَيْتَنِي بأن قول إبليس واعتقاده ليس بحجة أو المراد أنه تعالى لما أمره بالسجود لآدم فعند ذلك ظهر منه كفر فلهذا المعنى أضاف الغي إلى الله. وقد يقال: لا تحملني على ضربك أي لا تفعل ما أضربك عنده، أو المراد بالإغواء الإهلاك واللعن. وقالت الأشاعرة: نحن لا نبالغ في أن المراد بالإغواء هاهنا هو الإضلال لأن حاصله كيفما كان يرجع إلى حكاية قول إبليس وهو ليس بحجة إلا أنا نقطع بأن الغاوي لا بد له من مغو وليس ذلك نفسه لأن العاقل لا يختار الغواية مع العلم بكونها غواية والدور أو التسلسل محال فلا بد أن ينتهي إلى خالق الكل وهو المقصود. أما قوله: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ فانتصابه على الظرف كقوله:

لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب

قال الزجاج: هو كقولهم ضرب زيدا الظهر والبطن أي على الظهر والبطن. والمراد لأعترضن لهم أي لبني آدم المذكورين في قوله: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ على طريق الإسلام كما يعترض العدو على الطريق ليقطعه على السابلة، والحاصل أنه يواظب على

<<  <  ج: ص:  >  >>