لكما ناصح وقالا له: نقسم بالله إنك إن صدقت ناصح. أو أقسم لهما بالنصيحة وأقسما له بقبولها، أو أخرج قسم إبليس على زنة المفاعلة لأنه اجتهد فيها اجتهاد المقاسم فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ أي أوقعهما فيما أراد من تغرير، وأصله أن الرجل العطشان يدلي رجليه في البئر ليأخذ الماء فلا يجد فيها ماء فوضعت التدلية موضع الطمع فيما لا فائدة فيه. وقيل: أي جرأهما على أكل الشجرة من قولهم: فلان يدل على أقرانه في الحرب كالبازي يدل على صيده. قال ابن عباس: غرهما باليمين. وكان آدم يظن أن لا يحلف أحد بالله كاذبا. وعن ابن عمر أنه كان إذا رأى من بعض عبيده طاعة وحسن صلاة أعتقه فكان عبيده يفعلون ذلك طلبا للعتق، فقيل له: إنهم يخدعونك فقال: من خدعنا بالله انخدعنا له. فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ فيه دلالة على أنهما تناولا اليسير قصدا إلى معرفة طعمه ولولا أنه ذكر في آية أخرى فَأَكَلا مِنْها [طه: ١٢١] لم يدل على الأكل لأن الذوق قد يكون من غير أكل.
بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما ظهرت عوراتهما أي عورتاهما مثل صَغَتْ قُلُوبُكُما [التحريم: ٤] مكان قلباكما وَطَفِقا يَخْصِفانِ أخذا في الفعل وهو الخصف، ويستعمل طفق بمعنى كاد.
قال الزجاج: أي يجعلان ورقة على ورقة ليستترا بهما كما تخصف النعل طرقة على طرقة وتوثق بالسيور. والورق ورق التين وفيه دليل على أن كشف العورة قبيح من لدن آدم ألا ترى أنهما كيف بادرا إلى الستر لما تقرر في عقلهما من قبح كشف العورة؟ أَلَمْ أَنْهَكُما عتاب من الله وتوبيخ وباقي الآيات مفسر في سورة البقرة. عن ثابت البناني: لما أهبط آدم وحضرته الوفاة أحاطت به الملائكة فجعلت حواء تدور حولهم فقال لها: خلي ملائكة ربي فإنما أصابني الذي أصابني فيك. فلما توفي غسلته الملائكة بماء وسدر وترا وحنطته وكفنته في وتر من الثياب وحفروا له ولحدوا ودفنوه بسرنديب بأرض الهند وقالوا لبنيه: هذه سنتكم بعده.
وقد بقي علينا من التفسير أسرار المتشابهات الواقعة في هذه القصة فلنفرغ لها. قوله:
ما مَنَعَكَ وفي ص يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ [الآية: ٧٥] وفي الحجر يا إِبْلِيسُ ما لَكَ [الآية ٣٢] حذف المنادى في هذه السورة لأن مضي ذكره هنا أقرب فلم يحتج إلى إعادة اسم اللعين بالنداء.
قوله: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ وفي ص ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ [الآية: ٧٥] جمع بين لفظ المنع ولفظ «لا» في هذه السورة لأنه لما حذف النداء زاد لفظة «لا» زيادة في النفي وإعلاما بأن المخاطب به إبليس. وإن شئت قلت: جمع في السورة بين ما في «ص» وما في «الحجر» فقال: ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ وما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ وحذف أَنْ تَسْجُدَ وحذف ما مَنَعَكَ لدلالة الحال ودلالة السورتين عليه فبقي ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ.