مخالفا كان ذلك القياس تخصيصا لعموم هذا النص فيكون مردودا لأن العمل بالنص أولى من العمل بالقياس، فإذن القرآن واف بجميع الأحكام الشرعية والله تعالى أعلم. ثم بيّن أن الزينة والطيبات خلقت في الحياة الدنيا لأجل المؤمنين بالأصالة وللكفرة بالتبعية كقوله:
وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا [البقرة: ١٢٦] وأما في الآخرة فإنها خالصة لهم فقال: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً من قرأ بالرفع فلأنه خبر بعد خبر. قال أبو علي: أو على الخبر ولِلَّذِينَ آمَنُوا متعلق به والتقدير: هي خالصة للذين آمنوا في الحياة الدنيا يَوْمَ الْقِيامَةِ وعلى هذا يكون فِي الْحَياةِ ظرفا ل آمَنُوا ويَوْمَ الْقِيامَةِ ظرفا ل خالِصَةً فيفهم من ذلك أنها في غير يوم القيامة غير خالصة لهم بل تكون مشوبة برحمة الكفار. وعلى الأول يكون فِي الْحَياةِ ظرفا لمحذوف أي هي للذين آمنوا غير خالصة في الحياة الدنيا وهي لهم خالصة يوم القيامة. ومن قرأ بالنصب فعلى الحال وباقي التقدير كما ذكرنا آنفا كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أي لقوم يمكنهم النظر والاستدلال حتى يتوصلوا به إلى تحصيل العلوم النظرية. ثم بين أصول الأفعال المحرمة وحصرها في ستة أنواع لأن الجناية إما على الفروج وأشار إليها بقوله: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وإما أن تكون على العقول وهي شرب الخمر وإليها الإشارة بقوله:
وَالْإِثْمَ وقيل: الفواحش الكبائر والإثم الصغائر. وقيل: الفواحش كل ما تزايد قبحه وتبالغ، والإثم عام لكل ذنب كأنه خصص أوّلا ثم عمم. وإما أن تكون الجناية على النفوس والأموال والأعراض وإليهن الإشارة بقوله: وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ومعنى بغير الحق أن لا يقدموا على إيذاء الناس بالقتل والقهر إلا أن يكون لهم فيه حق فحينئذ يخرج عن أن يكون بغيا، وإما أن تكون الجناية على الأديان إما بالطعن في التوحيد وإليه أشار بقوله:
وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً أي لا سلطان حتى ينزل وإما بالافتراء على الله وذلك قوله: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ فإن قيل: الفاحشة وغيرها هي التي نهى الله تعالى عنها فيصير تقدير الآية إنما حرم ربي المحرمات وهذا كلام خال عن الفائدة.
فالجواب أن كون الفعل فاحشة عبارة عن اشتماله في ذاته على أمور باعتبارها يجب النهي عنه فيزول الإشكال. ثم شدد أمر التكاليف بالآجال المحدودة والأنفاس المعدودة فقال:
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ عن ابن عباس والحسن ومقاتل: معناه أنه تعالى أمهل كل أمة كذبت رسولها إلى وقت معين لا يعذبهم قبل ذلك ولا يؤخرهم عنه والمقصود وعيد أهل مكة.
وقيل: معناه أن أجل العمر لا يتقدم ولا يتأخر سواء الهالك والمقتول. وأورد على القول الأول أنه ليس لكل أمة من الأمم وقت معين في نزول عذاب الاستئصال. وعلى الثاني أنه كان ينبغي أن يقال: ولكل إنسان أو أحد أجل. ويمكن أن يقال: الأمة هي الجماعة في كل