الجنة. وقيل: أي لا تنزل عليهم البركة والخير من قوله تعالى: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ [القمر: ١١] وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الولوج الدخول. وسئل ابن مسعود عن الجمل فقال: زوج الناقة استجهالا للسائل وإشارة إلى أن طلب معنى آخر تكلف. والسم بالحركات الثلاثة وقد قرىء بها ثقب الإبرة وكل ثقب في البدن لطيف ومنه السم القاتل لنفوذه بلطفه في مسام البدن حتى يصل إلى القلب. والخياط ما يخاط به قال الفراء: خياط ومخيط كإزار ومئزر ولحاف وملحف وقناع ومقنع. ولما كان جسم الجمل من أعظم الأجسام المشهورة عند العرب كما قال:
لا عيب بالقوم من طول ومن عظم ... جسم الجمال وأحلام العصافير
وكان سم الإبرة مثلا في ضيق المسلك حتى قيل: أضيق من خرت الإبرة. وقالوا للدليل الماهر خريت لاهتدائه في المضايق المشبهة بأخرات الإبر، وقف الله تعالى دخولهم الجنة على حصول هذا الشرط المحال ليلزم يأسهم من دخول الجنة قطعا فإن الموقوف على المحال محال ومثله قول العرب:«لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب ويبيض القار» ، وقرىء الجمل بوزن القمل وكذا الجمل بوزن الحبل وبمعناه لأنه حبل ضخم من ليف أو خوص من آلات السفن. واختار ابن عباس هذا التفسير قائلا: إن الله تعالى أحسن تشبيها من أن يشبه بالجمل يعني أن الحبل مناسب للخيط الذي يسلك في سم الإبرة والبعير لا يناسبه. وأهل التناسخ أوّلوا الآية بأن الأرواح التي كانت في الأبدان البشرية لمّا عصت وأذنبت فإنها بعد موت الأبدان ترد من بدن إلى بدن ولا تزال تبقى في التعذيب حتى تنتقل من بدن الجمل إلى بدن الذرة فتنفذ في سم الخياط، وحينئذ تصير مطهرة عن تلك الذنوب فتدخل الجنة وتصل إلى السعادة وَكَذلِكَ ومثل ذلك الجزاء الفظيع نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ قيل: هم الكافرون المكذبون المستكبرون المار ذكرهم، وقيل: يدخل فيه الفساق بشرط عدم التوبة عند المعتزلة، وبشرط عدم العفو عند الأشاعرة. ثم لما بين أنهم لا يدخلون الجنة ذكر أنهم يدخلون النار فقال: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ أي فراش وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ هي جمع غاشية وهي كل ما يغشاك أي يجللك، والمراد الإخبار عن إحاطة النار بهم من كل جانب فلهم منها غطاء ووطاء وفراش ولحاف. والتنوين في غَواشٍ مثله في «جوار» أعني أنه للتمكن عند بعض لأنه بعد حذف يائه لم يبق على زنة مساجد، وللعوض عند بعض، إما عن الياء أو عن إسكان الياء وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ هم المشركون أو الفسقة الذين ظلموا أنفسهم. ثم عقب الوعيد بالوعد فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الآية. وقوله