متقاربان كأنه قيل: نشرها نشرا. ومن قرأ نَشْراً بضمتين فلأنه جمع نشور كرسول ورسل، وقد تخفف كرسل، ومن قرأ بُشْراً بضم الباء الموحدة وسكون الشين فلأنه مخفف بشر جمع بشير. ومعنى: بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أمام نعمته وهي الغيث الذي هو من أجلّ النعم وأحسنها وهذا بحسب الأغلب، فإن المطر قلما لا يتقدمه رياح يسلطها الله تعالى على السحاب والعرب تستعمل اليدين بدل قدام وأمام مجازا لأن اليدين من الحيوان متقدمان على الرجلين. حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ حملت ورفعت واشتقاقه من القلة لأن الرافع الذي يقدر على حمل الثقيل يزعم أن ما يرفعه قليل سَحاباً جمع سحابة ولهذا قال:
ثِقالًا على الجمع جمع ثقيلة والضمير في سُقْناهُ يعود إلى السحاب على لفظه، وضمير المتكلم في سُقْناهُ على أصله. أما الذي في قوله: وَهُوَ الَّذِي فعلى طريقة الالتفات وإلا فالظاهر أن يقال: نحن أرسلنا. واعلم أن السحاب المستمطر للمياه العظيمة إنما يبقى معلقا في الهواء لأنه تعالى دبر بحكمته أن يحرك الرياح تحريكا شديدا. ولتلك الحركات فوائد منها: أن أجزاء السحاب ينضم بعضها إلى بعض ويتراكم وينعقد السحاب الكثيف الماطر ثم تصير متفرقة. ومنها أن تتحرك الرياح يمنة ويسرة فتمنع الأجزاء المائية الرشية عن النزول فيبقى معلقا في الهواء. ومنها أن ينساق السحاب إلى موضع علم الله احتياجهم إلى نزول الأمطار، ومن الرياح مقوية للزروع والأشجار ومكملة لما فيها من النشوء والنماء وهي اللواقح. ومنها مبطلة لها كما في الخريف. ومنها طيبة لذيذة موافقة للأبدان.
ومنها مهلكة للحر الشديد كالسموم أو البرد الشديد. ومنها مشرقية ومغربية وشمالية وجنوبية، وبالحقيقة تهب الرياح من كل جانب ولكنها ضبطت كذلك، وقد يصعد الريح من قعر الأرض فقد يشاهد غليان شديد في البحر بسبب تولد الرياح في قعره ثم لا يزال يتزايد ذلك الغليان إلى أن ينفصل الريح إلى ما فوق البحر، وحينئذ يعظم هبوب الرياح في وجه البحر، وعن ابن عمر: الرياح ثمان: أربع منها عذاب وهو العاصف والقاصف والصرصر والعقيم، وأربع منها رحمة الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات،
وعن النبي صلى الله عليه وآله:«نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور والجنوب من ريح الجنة»«١» .
وعن كعب: لو حبس الله الريح عن عباده ثلاثة أيام لأنتن أكثر الأرض. وعن السدي أنه تعالى يرسل الرياح فتأتي بالسحاب، ثم إنه تعالى يبسطه في السماء كيف يشاء ثم يفتح أبواب السماء فينزل الماء على السحاب، ثم يمطر السحاب بعد ذلك برحمته وهي المطر. ومعنى
(١) رواه البخاري في كتاب الاستسقاء باب ٢٦. كتاب بدء الخلق باب ٥. مسلم في كتاب الاستسقاء حديث ١٧. أحمد في مسنده (١/ ٢٢٣) .