للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيان لكونه رسولا من رب العالمين، أو صفة لرسول. وإنما جاز أن تكون صفة ولفظ الرسول غائب نظرا إلى المعنى

كقوله: أنا الذي سمتن أمي حيدره

رِسالاتِ رَبِّي ما أوحي إليّ في الأوقات المتطاولة، أو ما أوحي اليّ في المعاني المختلفة من الأوامر والنواهي. وشرح مقادير الثواب والعقاب في الآخرة ومقادير الحدود والزواجر في الدنيا.

ويجوز أن يريد رسالاته إليه وإلى الأنبياء قبله من صحف جده إدريس وهي ثلاثون صحيفة، ومن صحف شيث وهي خمسون صحيفة وَأَنْصَحُ لَكُمْ قال الفراء: العرب لا تكاد تقول نصحتك وإن كان جائزا ولكن تقول نصحت لك. قال في الكشاف: وفي زيادة اللام مبالغة ودلالة على إمحاض النصيحة. وحقيقة النصح الإرشاد إلى المصلحة مع خلوص النية من شوائب المكر. ومعنى الآية: وأبلغكم تكاليف الله ثم أرشدكم إلى الأصلح الأصوب وأدعوكم إلى ما دعاني الله تعالى وأحب لكم ما أحب لنفسي وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أي أعلم أنكم إن عصيتم أمره عاقبكم بالطوفان، وذلك أنهم لم يسمعوا بقوم حل بهم العذاب قبلهم أو أعلم أن الله يعاقبكم في الآخرة عقابا، أو أعلم من توحيد الله من صفات جلاله ما لا تعلمون، ويكون المقصود حمل القوم على أن يرجعوا إليه في طلب تلك العلوم. أَوَعَجِبْتُمْ الهمزة للإنكار، والمعطوف محذوف والتقدير: أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكر من ربكم. قال الحسن: يعني الوحي الذي جاءهم به. وقال آخرون: الذكر المعجز كتابا أو غير كتاب. وقيل: هو الموعظة عَلى رَجُلٍ أي على لسانه قاله ابن قتيبة ونظيره آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ [آل عمران: ١٩٤] وقال الفراء «على» بمعنى «مع» تقول: جاءنا الخبر على وجهك ومع وجهك كلاهما جائز. وقيل: أي منزل على رجل.

ومعنى مِنْكُمْ من بني نوعكم كأنهم استبعدوا أن يكون لله رسول إلى خلقه لاعتقادهم أن المقصود من الإرسال التكليف، وأن التكليف لا منفعة فيه للمعبود لتعاليه ولا للعابد لتضرره في الحال، وأما في المآل فالله تعالى قادر على تحصيله بدون واسطة التكليف.

وأيضا إن العقل كاف في معرفة الحسن والقبيح، وما لا يعلم حسنه ولا قبحه فإن كان المكلف مضطرا إليه فعل لأنه تعالى لا يكلف مالا يطاق، وإن لم يكن مضطرا إليه ترك حذرا عن الخطر وبتقدير أنه لا بد من الرسول فإن إرسال الملائكة أولى لشدة بطشهم ووفور عصمتهم وطهارتهم واستغنائهم عن الأكل والشرب والنكاح، وبتقدير جواز كون النبي من البشر فلعلهم اعتقدوا أن من كان فقيرا خاملا لا يصلح للنبوّة فأنكر نوح عليه السلام كل هذه الأشياء لأنه تعالى خالق الخلق فله بحكم الإلهية أن يأمر عباده ببعض الأشياء وينهاهم عن بعضها، ولا يجوز أن يخاطبهم بتلك التكاليف من غير واسطة لأن ذلك ينتهي إلى حد

<<  <  ج: ص:  >  >>