وفي قصة هود ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ لأن واقعة هود كانت مسبوقة بواقعة نوح فوقع الاقتصار على ذلك أي لعلكم تحذرون مثل ذلك العذاب العظيم الذي اشتهر خبره في الدنيا. ومنها قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ وفي قصة هود قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إما أن هذا وصف وارد للذم لا غير، وإما أنه لم يكن في أشراف قوم نوح من يؤمن وكان في أشراف قوم هود من آمن به منهم مرثد بن سعد الذي كان يكتم إسلامه فأريد التفرقة بالوصف. ومنها أن قوم نوح قالوا إنا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وقوم هود قالوا إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ أي متمكنا منها تمكن المظروف من الظرف.
وذلك أن نوحا كان يخوّفهم بالطوفان العام وكان يشتغل بإعداد السفينة مدّة طويلة فوصفوه بضعف الرأي والبعد عن السداد. وأما هو فما ذكر شيئا إلا أنه زيف معتقدهم في عبادة الأصنام وطعن فيها فقابلوه بمثله ونسبوه إلى السفاهة وخفة العقل حيث فارق دين قومه. ثم قالوا وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ في ادعاء الرسالة. قيل: الظن بمعنى الجزم واليقين كقوله الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة: ٤٦] قال الحسن والزجاج: كانوا شاكين فيعلم أن الشك والتجويز في أصول الدين يوجب الكفر. ومنها قول نوح وَأَنْصَحُ لَكُمْ وقال هود وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ وذلك لأنه كان من عادة نوح عليه السلام العود إلى تجديد تلك الدعوة في كل يوم وفي كل ساعة، وصيغة الفعل دلت على التجدد المستمر ولهذا قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً [نوح: ٥] إلى آخر الآيات. وأما هود فكان ثابتا على النصح غير مجدد إياه لحظة فلحظة كما كان يفعل نوح. ثم إن نوحا عليه السلام قال وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ لأنه كان يعلم من أسرار الله تعالى ما لم يصل إليه هود فلا جرم أمسك هود لسانه واقتصر على وصف نفسه بكونه أمينا ثقة أي عرفت فيما بينكم بالنصح والأمانة فليس من حقي أن آتي بالكذب والغش. أو المراد تقرير الرسالة فإنها تدور على الأمانة أي أنا لكم ناصح فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه. وفي هذين الجوابين عن مثل ذينك الشخصين مع جلالة قدرهما دليل على أن الحكيم يجب أن لا يقابل السفهاء إلا بالكلام المبني على الحلم والإغضاء. ومنها أن هودا اقتصر على قوله لِيُنْذِرَكُمْ لما مر في قصة نوح أن فائدة الإنذار هي حصول التقوى الموجبة للرحمة فلم يكن حاجة إلى الإعادة ولكنه ضم إلى ذلك شيئا آخر يختص بهم فقال وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ أي خلفتموهم في الأرض أو جعلكم ملوكا قد استخلفكم فيها بعدهم وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأملاكهم وما يتصل بها من المنافع، «وإذا» مفعول به لا ظرف أي اذكروا وقت جعلكم خلفاء وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فالخلق التقدير وقلما يطلق إلا