إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الذي أصابهم، وقال صلى الله عليه وسلم يا علي، أتدري من أشقى الأوّلين؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: عاقر ناقة صالح أتدري من أشقى الآخرين؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال قاتلك.
القصة الخامسة قوله سبحانه وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ تقديره أرسلنا لوطا وقت قال لقومه، ويجوز أن يكون معناه واذكر لوطا إذ قال لقومه على أن «إذ» بدل من المفعول به لا ظرف. وإنما صرف نوح ولوط مع أن فيه سببين: العجمة والعلمية، لأن سكون وسطه قاوم أحد السببين أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ أتفعلون الخصلة المتمادية في القبح ما سَبَقَكُمْ بِها قال في الكشاف: الباء للتعدية من قولك: سبقته بالكرة إذا ضربتها قبله أي ما عملت قبلكم.
قلت: ومن المحتمل أن تكون الباء فيه مثله في قولك: كتبت بالقلم. وفي قوله تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون: ٢٠] أي ما سبقكم ملتبسا بها من أحد من العالمين «من» الأولى زائدة لتأكيد النفي وإفادة الاستغراق، والثانية للتبعيض. وموقع هذه الجملة استئناف لأنه أنكر عليهم أوّلا بقوله أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ثم وبخهم عليها فقال: وأنتم أوّل من عملها. أو هو جواب سؤال مقدر كأنه قيل: لم لا نأتيها؟ فقال: ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ فلا تفعلوا ما لم تسبقوا به. ويجوز أن تكون صفة للفاحشة كقوله:
ولقد أمر على اللئيم يسبني وهاهنا سؤال وهو أنه كيف يجوز دعوى عدم السبق في هذه الخصلة ولم تزل الشهوة داعية إليها؟ والجواب لعل متقدميهم كانوا يستقذرونها وينفرون عنها طبعا كسائر الحيوانات، أو المراد أن الإقبال بالكلية على ذلك العمل لم يوجد في الأعصار المتقدمة.
قال الحسن: كانوا ينكحون الرجال في أدبارهم وكانوا لا ينكحون إلا الغرباء. وقال عطاء عن ابن عباس: استحكم ذلك فيهم حتى فعل بعضهم ببعض أإنكم لتأتون الرجال بيان لما أجمله في قوله أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وكلا الاستفهامين للإنكار. وفي الثاني أكثر ولهذا زيد فيه «إن» ومثله في النمل أَتَأْتُونَ وبعده أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ [النمل: ٥٥] وفي العنكبوت إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ [الآية: ٢٨] أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ [النمل: ٥٥] فجمع بين «إن»«وأئن» القصة إِنَّا مُنَجُّوكَ إنا منزلون. وانتصب شَهْوَةً على أنها مفعول له أي لا حامل لكم على غشيان الرجال من دون النساء إلا مجرد الشهوة، أو مصدر وقع حالا يقال:
شهى يشهى شهوة بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ إضراب عن الإنكار إلى الإخبار عنهم بالحالة الموجبة لارتكاب القبائح وهو أنهم قوم عادتهم الإسراف وتجاوز الحدود في كل شيء.
وختم هذه الآية بلفظ الاسم موافقة لرؤوس الآيات التي تقدمت الْعالَمِينَ النَّاصِحِينَ