للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبينا صلى الله عليه وسلم: «يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك» «١»

وقال يوسف تَوَفَّنِي مُسْلِماً [يوسف: ١٠١] أجابت المعتزلة بوجوه: الأوّل: أن قوله إِلَّا أَنْ يَشاءَ قضية شرطية أي إن شاء يعد وليس فيه بيان أنه شاء أم أبى. الثاني: أن هذا على طريق التبعيد والإحالة. كما يقال لا يفعل ذلك إلا إذا ابيض القار وشاب الغراب. الثالث: لعل المراد ما لو أكرهوا على العود فإن إظهار الكفر عند الإكراه جائز وإن كان الصبر أفضل وما كان جائزا صح أن يكون مراد الله تعالى كما أن المسح على الخفين مراد الله وإن كان غسل الرجلين أفضل. الرابع: يحتمل أن يعود الضمير في فِيهَا إلى قرية. كأنه قال: إن أخرجتمونا من القرية حرم علينا العود فيها إلا بإذن الله تعالى. الخامس: المشيئة عند أهل السنة لا توجب جواز الفعل فإنه تعالى يريد الكفر من الكافر ولا يجوز فعله إنما الذي يوجب الجواز هو الأمر فيحتمل أن يراد بالمشيئة هاهنا الأمر فيكون التقدير: إلا أن يأمر الله أن نعود إلى شريعتكم المنسوخة، فإن الشرع المنسوخ لا يبعد أن يأمر الله تعالى بالعمل به مرة أخرى. السادس: قال الجبائيّ: المراد من الملة الشريعة التي يجوز اختلاف التعبد فيها بالأوقات كالصوم والصلاة، فمن الجائز أن يكون بعض أحكام الشريعة المنسوخة باقيا فيكون المعنى إلا أن يشاء الله إبقاء بعض تلك الملة فيدلنا عليها. ثم إن المعتزلة تمسكوا بالآية على صحة قولهم من وجهين: أحدهما: أن قوله وَما يَكُونُ لَنا معناه لو شاء الله عودنا إليها لكان لنا أن نعود وذلك يقتضي أن كل ما شاء تعالى وجوده كان فعلا جائزا مأذونا فيه، وما كان حراما ممنوعا منه لم يكن مراد الله تعالى. وثانيهما: أن قوله لَنُخْرِجَنَّكَ أو لَتَعُودُنَّ لا وجه للفصل بينهما فإن كان العود بخلق الله كان الإخراج أيضا بخلقه. قلت: للسني أن يلتزم ذلك. أما قوله وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ فوجه تعلقه بما تقدمه على قول الجبائيّ هو أن التكليف بحسب المصالح فيكون معنى قول شعيب إلا أن يشاء الله إلا أن تختلف المصلحة في تلك العبادات فحينئذ يكلفنا بها والعلم بالمصالح لا يكون إلا بأن وسع كل شيء علما. وقالت الأشاعرة: وجه التعلق هو أن القوم لمّا قالوا لنخرجنك أو لتعودن قال شعيب وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً فربما كان في علمه قسم ثالث: وهو أن يبقينا في القرية مؤمنين ويجعلكم مقهورين خاسرين ويؤكد هذا التفسير قوله عقيب ذلك عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا أي لا على غيره. وانتصاب عِلْماً على التمييز.

وفي قوله وَسِعَ بلفظ الماضي دلالة على أنه تعالى كان في الأزل عالما بجميع


(١) رواه الترمذي في كتاب القدر باب ٧. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١٣. أحمد في مسنده (٢/ ٤، ٨) ، (٣/ ١١٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>