الإقرار وإيراد الكفر بدل الإيمان وضع للشيء في غير موضعه، أو تظلموا الناس بسببها حين أوعدوهم وصدوهم عنها وأذوا من آمن بها. فَانْظُرْ أيها المعتبر المستبصر بعين بصيرتك كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ كيف فعلنا بهم؟ وهذه قصة إجمالية ثم شرع في تفصيلها وذلك قوله وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أي إله قادر عليم حكيم. وفيه أن العالم موصوف بصفات لأجلها افتقر إلى رب يربيه حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ من قرأ بالتشديد في عَلى وحَقِيقٌ إما بمعنى فاعل أي واجب عليّ ترك القول على الله إلا بالحق، أو بمعنى مفعول أي حق عليّ ذلك. تقول العرب إني لمحقوق على أن أفعل خيرا. وأما قراءة العامة حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ مرسلة الياء ففيه وجوه أحدها: أن يكون «علي» بمعنى «الباء» كقولهم جئت على حال حسنة وبحال حسنة، قال الأخفش: وهذا كما قال وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ [الأعراف: ٨٦] أي على كل صراط ويؤكد هذا الوجه قراءة أبيّ حقيق بأن لا أقول أي أنا خليق بذلك. وثانيها: أن الحق هو الدائم الثابت والحقيق مبالغة فيه، وكل ما لزمك فقد لزمته فكأن المعنى أنا ثابت مستمر على أن لا أقول إلا الحق. وثالثها: أن يضمن حقيق معنى حريص. ورابعها: أن يكون من القلب الذي يشجع عليه أمن الإلباس فيؤل المعنى إلى قراءة نافع. وخامسها: أن يكون إغراقا في الوصف ومبالغة بالصدق والمراد أنا حقيق على قول الحق أي واجب عليّ أن أكون أنا قائله والقائم به ولا يرضى إلا بمثلي ناطقا به. وسادسها: أن يكون على هذه هي التي تقرن بالأوصاف اللازمة الأصلية كقوله تعالى فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها [الروم: ٣٠] ويقال: جاءني فلان على هيئته وعلى عادته وعرفته وتحققته على كذا وكذا من الصفات. فمعنى الآية لم أتحقق إلا على قول الحق. ولما كان ظهور المعجزة على وفق الدعوى دالا على وجود الإله القادر المختار وعلى تصديق الرسول جميعا قال قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أي بمعجزة قاهرة باهرة منه. ثم فرع عليه تبليغ الحكم وهو قوله فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي أطلقهم وخل سبيلهم حتى يذهبوا معي راجعين إلى الأرض المقدسة التي هي وطنهم ومولد آبائهم. وذلك أن يوسف عليه السلام لما توفي وانقرضت الأسباط غلب فرعون نسلهم واستعبدهم واستخدمهم في الأعمال الشاقة قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فيه سؤالان: أحدهما لفظي وهو أن هاهنا شرطين فأين جوابهما؟ والجواب أن المؤخر في اللفظ مقدم في المعنى نظيره قول القائل: إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيدا. وثانيهما: أن قوله إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ وقوله فَأْتِ بِها كلاهما واحد في المعنى فكيف يفيد تعليق أحدهما بالآخر؟
وجوابه المنع إذ المراد إن كنت جئت من عند من أرسلك بآية فأحضرها لتصح دعواك. ثم