للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[غافر: ١١] لأنهم قالوا ذلك بناء على حسب ظنونهم. أما قوله أَنْ تَقُولُوا فالتقدير:

وأشهدهم على أنفسهم بكذا لئلا يقولوا أو كراهة أن يقولوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا المشهود له غافِلِينَ من قرأ بياء الغيبة فلأن الكلام على الغيبة وهو قوله مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ لئلا يقولوا. ومن قرأ على الخطاب فلأنه قد جرى في الكلام خطاب وهو قوله أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ وكلا الوجهين حسن لأن الغائبين هم المخاطبون في المعنى. أَوْ تَقُولُوا يعني الكفار إنما أشركنا لأن آباءنا أشركوا فقلدناهم في ذلك الشرك فكان الذنب لأسلافنا فكيف تعذبنا على هذا الشرك وهو معنى قوله أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ والحاصل أن الله تعالى لما أخذ عليهم الميثاق امتنع منهم التمسك بهذا العذر. وعند المعتزلة معناه أشهدنا عليهم كراهة أن يقولوا إنما أشركنا على سبيل التقليد لأسلافنا لأن نصب الأدلة على التوحيد قائم فلا عذر معهم في الإعراض عنه والإقبال على التقليد والاقتداء بالآباء. وقال في الكشاف: المراد ببني آدم أسلاف اليهود الذين أشركوا بالله، وبذرياتهم الذين كانوا في عهد رسول الله من أخلافهم المقتدين بآبائهم لأن الآيات السابقة في شأن اليهود. وكذلك قوله وَاتْلُ عَلَيْهِمْ أي على اليهود نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا أما قوله وَكَذلِكَ أي ومثل ذلك التفصيل البليغ نُفَصِّلُ الْآياتِ لهم لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وإرادة أن يرجعوا إلى الحق ويعرضوا عن الباطل نفصلها أو يرجعوا إلى ما أخذ الله عليهم من الميثاق في التوحيد. ولبعض العلماء في الآية قول ثالث وهو أن الأرواح البشرية موجودة قبل الأبدان والإقرار بوجود الإله من لوازم ذواتها وحقائقها، وهذا العلم ليس مما يحتاج في تحصيله إلى كسب وطلب وهو المراد بأخذ الميثاق عليهم، لكنها بعد التعلق بالأبدان يشغلها التعلق عن معلومها فربما تتذكر بالتذكير والتنبيه وربما لا تتذكر وَاتْلُ عَلَيْهِمْ على بني آدم أو اليهود خاصة.

قال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد: نزلت في بلعم بن باعوراء وذلك أن موسى عليه السلام قصد بلده الذي هو فيه وغزا أهله وكانوا كفارا فطلبوا أن يدعو على موسى وقومه. وكان مجاب الدعوة وعنده اسم الله الأعظم. فامتنع منه فما زالوا يطلبونه منه حتى دعا عليهم فاستجيب له ووقع موسى عليه السلام وبنو إسرائيل بدعائه في التيه. فقال موسى: يا رب بأيّ ذنب وقعنا في التيه؟ فقال: بدعاء بلعم. فقال: كما سمعت دعاءه عليّ فاسمع دعائي عليه. ثم دعا موسى عليه السلام أن ينزع عنه الاسم الأعظم والإيمان فسلخه الله تعالى مما كان عليه ونزع عنه المعرفة فخرجت من صدره كحمامة بيضاء فهذه قصته.

ويقال أيضا أنه كان نبيا من أنبياء الله تعالى فلما دعا عليه موسى عليه السلام انتزع الله تعالى منه الإيمان فكان

<<  <  ج: ص:  >  >>