بسوء اختياره فأخرج لهذا السبب تلك الألطاف من أن تؤثر فيه فهو الخاسر، وزيف بالعلم والداعي وبأن الأصل عدم الإضمار وبأن كل ما في مقدور الله تعالى من الألطاف فقد فعله عند المعتزلة في حق جميع الكفار وبالآية بعدها وهي قوله وَلَقَدْ ذَرَأْنا إلى آخره.
وذلك أنه بين أنه خلق كثيرا من الجن والإنس لجهنم وقد علم ذلك في الأزل وخلاف مقدوره ومعلومه محال. وأيضا العاقل لا يريد الكفر والجهل. الموجبين لدخول النار، فحصول ذلك على خلاف قصده واجتهاده لا يكون إلا من قبل غيره، ولا يتسلسل بل ينتهي إلى مسبب الأسباب لا محالة. لا يقال العبد إنما يسعى في تحصيل ذلك الاعتقاد الباطل لأنه اشتبه لأمر عليه وظنه اعتقادا صحيحا لأنا نقول على هذا التقدير إنما وقع في هذا الجهل لأجل جهل متقدم، ولا يتسلسل بل ينتهي إلى جهل حصل ابتداء فيتوجه الإلزام.
قالت المعتزلة: الآيات الدالة على أنه سبحانه أراد من العبد الطاعة العبادة والخير فقط كثيره كقوله وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] وأيضا أنه قال في معرض الذم لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها إلى آخره. ولو كانوا مخلوقين للنار غير قادرين على الإيمان لم يحسن ذمهم. وأيضا لو خلقهم للنار لما كان له نعمة على الكفار أصلا لأن منافع الدنيا بأسرها لا اعتداد بها في جنب العذاب الدائم لكن القرآن مملوء من أنه تعالى منعم على جميع الخلائق. وأيضا مذهبكم يوجب أن لا يكون للمدح والذم والثواب والعقاب والترغيب والترهيب فائدة، ولو خلقهم للنار لوجب أن يخلقهم في النار ابتداء لأنه لا فائدة في أن يستدرجهم إلى النار بخلق الكفر فيهم. وأيضا الآية متروكة الظاهر لأن لام الاختصاص لا تفيد فيها إلا إذا قدر «ولقد ذرأناهم» لكي يكفروا فيصيروا إلى جهنم فيجب بناؤها على قوله وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] لأن ظاهره يصح من غير حذف. وعلى هذا أوجب أن تؤول الآية بأن اللام فيها لام العاقبة كقوله فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا [القصص: ٨] أو يقال إنه جعلهم لإغراقهم في الكفر وشدّة شكائمهم فيه كأنهم مخلوقون للنار كقولهم ما خلق فلان إلا لكذا إذا كان غريقا في بعض الأمور. وأجيب إجمالا بأنه لا يسأل عما يفعل، وتفصيلا بأن النعمة وإن قلت فهي في نفسها نعمة، وبأن الوسائط معتبرة، وبأن حمل اللام على العاقبة تجوّز لا يصار إليه إلا لضرورة تصحيح المعنى، وهاهنا لا ضرورة فقد تعاضدت الدلائل العقلية كالعلم والداعي والنقلية كآيات كثيرة على أن الكل من الله فوجب المصير إلى طرف الجبر ولا سيما فإن ما قبل هذه الآية وهو قوله مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وما بعدها وهو قوله وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ يدل على ما قلنا. وأيضا لا ريب أن أولئك الكفار