للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمن ظلمك.

قال أهل العلم: تفسير جبرائيل مطابق للفظ الآية فإنك إذا وصلت من قطعك فقد عفوت عنه، وإذا أعطيت من حرمك فقد أمرت بالمعروف، وإذا عفوت عمن ظلمك فقد أعرضت عن الجاهل.

يروى عن جعفر الصادق رضي الله عنه: ليس في القرآن العزيز آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية

ولبعض المفسرين في تفسير الآية طريق آخر قالوا خُذِ الْعَفْوَ أي ما أتوك به عفوا فخذه ولا تسأل ما وراء ذلك فنسخت بآية الزكاة وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ أي بإظهار الدين الحق وهذا غير منسوخ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ أي المشركين وهذا منسوخة بآية القتال. والحق أن تخصيص أخذ العفو بالمال تقييما للمطلق من غير دليل، ولو سلم فإيجاب الزكاة بالمقادير المخصوصة لا ينافي ذلك لأن آخذ الزكاة مأمور بأن لا يأخذ كرائم أموال الناس وأن لا يشدد الآمر على المزكي. وأيضا لا يمتنع أن يؤمر النبي بأن لا يقابل سفاهة المشركين بمثلها ولكن يقاتلهم، وإذا كان الجمع بين الأمرين ممكنا فلا حاجة إلى التزام النسخ.

قال أبو زيد: لما نزل قوله وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يا رب والغضب؟ فنزل وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ

أي غرز ونخس جعل النزغ نازغا كما قيل: جدّ جدّه. عن أبي زيد: نزغت ما بين القوم أي أفسدت ما بينهم وأصله الإزعاج بالحركة إلى الشر، وأكثر ما يكون ذلك عند الغضب. ونزغ الشيطان وسوسته في القلب بما يسوّل للإنسان من المعاصي وعلاجه ودفعه إنما يكون بالاستعاذة وهي الاستخلاص عن حول الإنسان وقوته إلى حول الرحمن وقوته والإعراض عن مقتضى الطبع والإقبال على أوامر الشرع

عن معاذ بن جبل قال: استبّ رجلان عند النبي حتى عرف الغضب في وجه أحدهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب غضبه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

قال بعض الطاعنين في عصمة الأنبياء: لو لم يجز على النبي الإقبال على وسوسة الشيطان لم يأمر بالاستعاذة. والجواب أن كلمة «إن» لا تفيد وقوع الشرط، ولو سلم فمن أين علم أنه صلى الله عليه وسلم قبل تلك الوسوسة منه؟ ولو سلم فمحمول على ترك الأولى. ثم ختم الآية بقوله إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ليعرف أن القول اللساني بدون المعارف الحقيقية عديم الفائدة وكأنه تعالى قال: اذكر لفظ الاستعاذة بلسانك فإني سميع، وأحضر معنى الاستعاذة في ضميرك فإني عليم. ثم بين أن حال المتقين قد تزيد على حال النبي في باب وسوسة إبليس فإن النبي لا يكون له إلا النزع الذي هو كابتداء الوسوسة، وأما المتقون فقد يمسهم الشيطان وذلك قوله إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ قال الفراء: الطائف كالخاطر وجوز بعضهم أن يكون مصدرا كالعاقبة ولكنه بلا تاء. والأصح أنه اسم فاعل من طاف يطوف أو من طاف به الخيال يطيف طيفا. ومن قرأ طيف فهو إما

<<  <  ج: ص:  >  >>