للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمور الخمسة قال أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ فدل ذلك على أن كل تلك الخصال داخلة في مسمى الإيمان ويؤيده

ما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» «١»

وإذا كان الإيمان عبارة عن مجموع الأركان الثلاثة فبسبب التفاوت في العمل يظهر التفاوت في الإيمان، وإن لم يكن التفاوت في الإقرار والاعتقاد متصورا. أما قوله وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فيفيد الحصر أي لا يتوكلون إلا على ربهم وهذه الصفات مرتبة على أحسن جهات الترتيب فالأولى الفزع من عقاب الله، والثانية الانقياد لتكاليفه، والثالثة الانقطاع بالكلية عما سواه. ثم لما فرغ من أعمال القلوب وهي الخشية والتسليم والتوكل شرع في وصفهم بأعمال الجوارح وذكر منها رأسها وسنامها وهما الصلاة والصدقة، ثم عظمهم بقوله أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا وفي أُولئِكَ وفي توسيط الفصل وتعريف الخبر وإيراد حَقًّا من المبالغات ما لا يخفى وحَقًّا صفة مصدر محذوف أي إيمانا حقا وهو مصدر مؤكد للجملة قبله، وقال الفراء: معناه أخبركم بذلك إخبارا حقا، وقيل:

إنه منوط بما بعده أي حقا لهم درجات. واعلم أن الأئمة اتفقوا على أن الرجل المؤمن يجوز له أن يقول أنا مؤمن، ثم اختلفوا في أنه هل يجوز له أن يضيف إليه حقا أو لا بل يستثني فيقول إن شاء الله. والأوّل مذهب أصحاب أبي حنيفة لما ورد في الآية، ولأن الشك في الإيمان لا يجوز لأن التصديق والإقرار كلاهما محقق. والثاني مذهب أصحاب الشافعي، وأجابوا عن الآية بأنه لا نزاع في أن الموصوف بالصفات المذكورة مؤمن حقا إنما النزاع في أن القائل أنا مؤمن هل هو موصوف بتلك الصفات جزما أم لا. وأما حديث الشك فمبني على أن الإيمان عبارة عن الأركان الثلاثة، ولا ريب أن كون الإنسان آتيا بالأعمال الصالحة أمر مشكوك فيه، والشك في أحد أجزاء الماهية يوجب الشك في حصول تلك الماهية، فإن النزاع لفظي على أنا لا نسلم أن الاستثناء لأجل الشك وإنما هو لزوال العجب أو لعدم القطع بحسن الخاتمة، أو لنوع من الأدب ففيه تفويض بالأمر إلى علم الله وحكمه كقوله لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [الفتح: ٢٧] وإنه تعالى منزه عن الشك والريب. عن الحسن أن رجلا سأله أمؤمن أنت؟ قال: الإيمان إيمانان فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن، وإن كنت تسألني عن قوله إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ فو الله لا أدري


(١) رواه مسلم في كتاب الإيمان حديث ٥٧، ٥٨. البخاري في كتاب الإيمان باب ٣. أبو داود في كتاب السنّة باب ١٤. النسائي في كتاب الإيمان باب ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>