للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنتم تريدون العير والله يريد إهلاك النفير، والثاني كلي يشمل هذه القضية وغيرها من القضايا التي حصل في ضمنها إعلاء كلمة الله وقمع بكلمة الكفر. احتجت الأشاعرة بقوله كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ وقوله لِيُحِقَّ الْحَقَّ على أن الأعمال والعقائد كلها بخلق الله وبتكوينه ولا يمكن أن يقال: المراد من إظهار الحق وضع الدلائل عليه لأن هذا المعنى حاصل بالنسبة إلى المسلم والكافر وقبل هذه الواقعة وبعدها فلا يبقى للتخصيص فائدة.

والمعتزلة تمسكوا بالآية على إبطال قول من يقول إنه لا باطل ولا كفر إلا والله مريد له، لأن ذلك ينافي إرادة تحقيق الحق وإبطال الباطل. وأجيب بأن اللام في الْحَقَّ ينصرف إلى المعهود السابق أي في هذه القضية فلم قلتم: إنه كذلك في جميع الصور وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ أي الكافرون أو المشركون كقوله وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ [التوبة: ٣٢] وفي موضع آخر وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف: ٩٠] وقوله إِذْ تَسْتَغِيثُونَ بدل من قوله وَإِذْ يَعِدُكُمُ وقيل: يتعلق بقوله لِيُحِقَّ الْحَقَّ واستغاثتهم أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال طفقوا يدعون الله يقولون: يا غياث المستغيثين أغثنا.

وعن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه ثلاثمائة، فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض، فما زال كذلك حتى سقط رداؤه، فأخذه أبو بكر فألقاه على منكبه والتزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك منا شدّتك بالدعاء ربك فإنه سينجز لك ما وعدك.

ويروى أنه لما اصطف القوم قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره. ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بالدعاء المذكور.

ومعنى تستغيثون تطلبون الإغاثة، يقول الواقع في بلية أغثني أي فرج عني فَاسْتَجابَ لَكُمْ، أَنِّي أي بأني مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ بكسر الدال وفتحها من أردفته إياه إذا أتبعته متعديا إلى مفعولين، أو من ردفته إذا أتبعته أي جئت بعده متعديا إلى مفعول واحد. ومعنى الأوّل جاعلين بعضهم أو مجعولين بعضهم تابعا لبعض أو أنفسهم تابعين للمؤمنين يحرسونهم أو لملائكة أخرى.

ومعنى الثاني تابعين بعضهم للبعض أو للمؤمنين يقدمونهم على ساقتهم يحفظونهم أو لغيرهم من الملائكة. واختلف في قتال الملائكة يوم بدر

فقيل: نزل جبرائيل في خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر، وميكائيل في خمسمائة على الميسرة وفيها علي بن أبي طالب في صور الرجال عليهم ثياب بيض وعمائم بيض قد أرخوا أذنابها بين أكتافهم فقاتلت،

وقيل: قاتلت يوم بدر ولم تقاتل يوم الأحزاب ويوم حنين. وعن أبي جهل أنه قال لابن مسعود: من أين كان ذلك الصوت الذي كنا نسمع ولا نرى شخصا؟ قال: من

<<  <  ج: ص:  >  >>