ولكنها تعم الظالمين وغيرهم لأنه يحسن من الله تعالى ذلك بحكم المالكية أو لاشتمال ذلك على نوع من الصلاح، وإما أن يكون نهيا بعد أمر و «من» للبيان كأنه قيل: احذروا ذنبا أو عقابا. ثم قيل لا تصيبنكم تلك العقوبة خاصة على ظلمكم كأن الفتنة نهيت عن ذلك الاختصاص على طريق الاستعارة. وهكذا إن جعلت الجملة الناهية صفة للفتنة على إرادة القول أي اتقوا فتنة مقولا فيها لا تصيبن كقوله:
جاؤا بمذق هل رأيت الذئب قط عن الحسن: نزلت في علي وعمار وطلحة والزبير وهو يوم الجمل خاصة على ما قال الزبير: نزلت فينا وقرأناها زمانا وما رأينا أنا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها. وعن السدي: نزلت في أهل بدر فاقتتلوا يوم الجمل.
وروي أن الزبير كان يسامر النبي صلى الله عليه وسلم يوما إذ أقبل علي فضحك إليه الزبير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف حبك لعلي؟ فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني أحبه كحبي لولدي أو أشد حبا. قال: فكيف أنت إذا سرت إليه تقاتله؟
ثم ختم الآية بقوله وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ والمراد منه الحث على لزوم الاستقامة. ثم ذكرهم نعمه عليهم فقال وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ وانتصابه على أنه مفعول به أي وقت أنكم قَلِيلٌ يستوي فيه الواحد والجمع مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ أرض مكة قبل الهجرة تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ يستلبونكم لكونهم أعداء لكم فَآواكُمْ إلى المدينة وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ بمظاهرة الأنصار وبإمدادكم بالملائكة يوم بدر وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ من الغنائم لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي ينقلكم من الشدة إلى الرخاء، ومن البلاء إلى النعماء والآلاء حتى تشتغلوا بالشكر والطاعة فكيف يليق بكم أن تشتغلوا بالمنازعة في الأنفال؟، ثم منعهم من الخيانة في الأمانة.
يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر يهود بني قريظة إحدى وعشرين ليلة فسألوا الصلح كما صالح إخوانهم بني النضير على أن يسيروا إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فأبوا وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة بن مروان بن المنذر وكان مناصحا لهم لأن عياله وماله في أيديهم. فبعثه إليهم فقالوا له: ما ترى هل ننزل على حكم سعد؟ فأشار إلى حلقه إنه أي إن حكم سعد بن معاذ هو الذبح. قال أبو لبابة: فما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله فنزلت الآية. فشد نفسه على سارية من سواري المسجد وقال:
والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله عليّ. فمكث سبعة أيام حتى خرّ مغشيا عليه ثم تاب الله عليه فقيل له: قد تيب عليك في نفسك. فقال: لا والله لا أحلها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني. فجاءه فحله بيده فقال: إن من تمام توبتي أن