الله مواصلا وَالْيَتامى يعني أهل الطلب من الذين غاب عنهم مشايخهم قبل بلوغهم إلى حد الكمال وَالْمَساكِينِ الذين تمسكوا بأيدي الإرادة بأذيال إرشادكم وَابْنِ السَّبِيلِ يعني الصادر والوارد من الصدق والإرادة مراعيا جانب كل طائفة على حسب صدقهم وإرادتهم واستعدادهم. إن كنتم وصلتم في متابعة الرسول إلى الإيمان بالله عيانا وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا في سفر فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
[النجم: ١٠] يَوْمَ الْفُرْقانِ الذي فيه الرحمن علم القرآن يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ جمع الصفات الإنسانية وجمع الأخلاق الربانية فصار لمحمد صلى الله عليه وسلم مع الله خلوة لا يتبعه فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على أن يوصلكم في متابعة رسوله إلى هذا المقام وهو الفناء عن الوجود والبقاء بالمعبود إِذْ أَنْتُمْ أيها الصادقون في الطلب بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا نازلة وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى أي الأرواح بأقصى عالم الملكوت بارزة وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعني الهياكل والقوالب في أسفل سافلي الطبيعة. وَلَوْ تَواعَدْتُمْ أيها الأرواح والنفوس والأجساد لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ لما بينكم من التباين والتضاد وَلكِنْ جمعكم الله بالقدرة والحكمة لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا وهو إيصال كل شخص إلى رتبته التي استعد لها لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ عن حجة ثابتة عليه وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ فالأشقياء يبقون في سجين الطبيعة ونار القطيعة، وأما السعداء فأرواحهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، قال ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً [الفجر: ٢٨] ونفوسهم مع الملائكة المقربين كما قال فَادْخُلِي فِي عِبادِي [الفجر: ٢٩] وأبدانهم في جنات النعيم كما قال وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر: ٣٠] إِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ لمن دعاه للوصول والوصال بالغدو والآصال عَلِيمٌ بمن يستحق الإذلال أو يستأهل الإجلال إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا مع كثرتهم في الصورة ليدل على قلتهم في المعنى لَفَشِلْتُمْ على عادة طبع الإنسان وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ من الخوف البشري وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لأنهم نظروا إليكم بالأبصار الظاهرة فلم يدركوا كثرة معناكم ومددكم بالملائكة. وإِذا لَقِيتُمْ فِئَةً هي النفس وهواها والشيطان وأعوانه والدنيا وزينتها فَاثْبُتُوا على ما أنتم عليه من اليقين والصدق والإخلاص والطلب وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا من ديار أوصافهم وتركوا الدنيا وداروا البلاد وزاروا العباد ليتباهوا بذلك على الإخوان والأقران. وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فظنوا أنهم بلغوا مبلغ الرجال وأنه لا يضرهم التصرف في الدنيا وارتكاب بعض المنهيات بل ينفعهم في نفي الرياء والعجب إذ هو طريق أهل الملامة.
فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ فئة الأرواح والقلوب وفئة النفوس وصفاتها وأمد الله تعالى فئة