له فلنضرب أعناقهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله ليليّن قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم: ٣٦] ومثلك يا عمر مثل نوح قال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: ٢٦] ثم قال لأصحابه: أنتم اليوم عالة فلا يفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق.
وروي إنه قال لهم: إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدّتهم. فقالوا: بل نأخذ الفداء فاستشهدوا بأحد وكان فداء الأسارى عشرين أوقية وفداء العباس أربعين أوقية.
وعن محمد بن سيرين كان فداؤهم مائة أوقية والأوقية أربعون درهما.
وروي أنهم لما أخذوا الفداء نزلت الآية فدخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال: يا رسول الله أخبرني فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت فقال: أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه.
وروي أنه قال: لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر. وسعد بن معاذ لقوله: كان الإثخان في القتل أحب إليّ.
واعلم أن الطاعنين في عصمة الأنبياء عليهم السلام تمسكوا في هذا المقام بوجوه: الأول: وَما كانَ لِنَبِيٍّ صريح في النهي وقد حصل الأسر بدليل قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى. الثاني: أنهم أمروا بالقتل يوم بدر في قوله فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ فكان الأسر معصية. وأجيب بأن قوله حَتَّى يُثْخِنَ يدل على أن الأسر كان مشروعا ولكن بشرط الإثخان ولا شك أن الصحابة قتلوا يوم بدر خلقا عظيما فلعل العتاب إنما ترتب لأن الإثخان أمر غير مضبوط فظنوا أن ذلك القدر من القتل بلغ حد الإثخان فأخطأوا في الاجتهاد وكان قوله فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ تكليفا مختصا بحالة الحرب فلم يتناول الأسر بعد انهزام الكفار. الثالث: قالوا: الحكم بأخذ الفداء معصية وإلا لم يتوجه الذم في قوله تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا أي حطامها سمي بذلك لأنه سريع الزوال كالعرض قسيم الجوهر وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ أي ثوابها أو ما هو سبب الجنة وهو إعزاز الإسلام بإشاعة القتل في أعدائه. وقرىء بجر الآخرة أي عرض الآخرة على التقابل. وَاللَّهُ عَزِيزٌ يغلب أولياؤه على أعدائه ويقهرونهم ويلجئونهم إلى القتل والفداء بعد الأسر ولكنه حَكِيمٌ لا يرخص في أخذ الفداء إلا بعد إفشاء القتل في الأعداء.
والجواب أن كل ذلك محمول على ترك الأولى وكذا الكلام في قوله لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ أي لولا حكم من الله سبق إثباته في اللوح وهو أنه لا يعاقب أحدا يخطىء في الاجتهاد لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سببا في إسلامهم وتوبتهم وحصول أولاد