الإمامية. وقال بعض العلماء: إن الصحابة اختلفوا في أن «الأنفال» مع «التوبة» سورتان أم سورة واحدة لأنهما مائتان وست آيات فهما بمنزلة إحدى الطوال، وكلتاهما وردت في القتال والمغازي، فلمكان هذا الاختلاف فرجوا بينهما فرجة تنبيها على قول من يقول إنهما سورتان، ولم تكتب البسملة تنبيها على قول من يرى أنهما واحدة فعملوا عملا يدل على أن هذا الاشتباه حاصل. وفيه أنهما لما لم يسامحوا بهذا القدر من الشبهة دل على أنهم كانوا متشددين في ضبط الدين وحفظ القرآن من التغيير والتحريف وذلك يبطل قول الإمامية، وفيه دليل على أن البسملة آية من كل سورة والإجازات كتابتها هاهنا بل عند كل مقطع كلام.
وعن ابن عباس: سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذلك فقال: لأن بسم الله الرحمن الرحيم أما وأن هذه السورة نزلت بالسيف ونبذ العهود.
وذكر سفيان بن عيينة هذا المعنى وأكده بقوله تعالى وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [النساء: ٩٤] فقيل له: أليس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل الحرب «بسم الله الرحمن الرحيم» ؟. فأجاب بأن ذلك ابتداء منه يدعوهم إلى الله ولم ينبذ إليهم عهدهم ولهذا قال في آخر الكتاب وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى [طه: ٤٧] ومما يؤكد شبهة من زعم أنهما سورة واحدة هو أن ختم الأنفال وقع بإيجاب أن يوالي المؤمنون بعضهم بعضا وأن يكونوا منقطعين عن الكفار بالكلية، وقوله بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ تأكيد لذلك الكلام وتقرير له. ومعنى البراءة انقطاع العصمة وهي خبر مبتدأ محذوف وو «من» لابتداء الغاية متعلق بمحذوف لا بالبراءة لفساد المعنى. والمعنى هذه براءة واصلة من الله ورسوله إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ كما تقول: كتاب من فلان إلى فلان. ويجوز أن يكون بَراءَةٌ مبتدأ لتخصصها بصفتها هي الجار والمجرور كما قلنا والخبر محذوف كما ذكرنا نظيره قولك: رجل من بني تميم في الدار. كان قد أذن الله في معاهدة المشركين فاتفق المسلمون مع رسول الله وعاهدوهم فلما نقضوا العهد أوجب الله النبذ إليهم وكأنه قيل للمسلمين: اعلموا أن الله ورسوله قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين. روي أنهم كانوا عاهدوا المشركين من غير أهل مكة وغيرهم من العرب فنكثوا إلا ناسا منهم وهم بنو ضمرة وبنو كنانة، فنبذ العهد إلى الناكثين وأمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر آمنين أين ساروا. والأشهر هي الحرم لقوله فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ والسياحة الضرب في الأرض والاتساع في السير والبعد عن المدن وموضع العمارة مع الإقلال من الطعام والشراب منه يقال للصائم سائح لتركه المطعم والمشرب. والمعنى في هذا الأمر إباحة الذهاب مع الأمان وإزالة الخوف.