للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشر من ربيع الأول لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت للنسيء الذي كان فيهم، ثم صار في السنة الثانية في ذي الحجة. قال المفسرون: هذا تأجيل من الله للمشركين فمن كانت مدة عهده أكثر من أربعة أشهر حطت إلى أربعة ومن كانت مدته أقل رفعت إليها. والمقصود من هذا التأجيل أن يتفكروا في أنفسهم ويحتاطوا في الأمر ويعلموا أنه ليس لهم بعد هذه المدة إلا أحد أمور ثلاثة: الإسلام أو قبول الجزية أو السيف. فيصير ذلك حاملا لهم على قبول الإسلام ظاهرا وإلى هذا المعنى أشار بقوله وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ أي اعلموا أن هذا الإمهال ليس لعجز ولكن لمصلحة ولطف ليتوب من تاب، وفيه ضرب من التهديد كأنه قيل: افعلوا في هذه المدة كل ما أمكنكم من إعداد الآلات والأدوات فإنكم لا تفوتون الله وهو مخزيكم أي مذلكم في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالعذاب. وقوله مُخْزِي الْكافِرِينَ من باب الالتفاف من الحضور إلى الغيبة. ومن وضع الظاهر موضع المضمر ليكون فيه إشارة إلى أن سبب الإخزاء هو الكفر.

ثم أراد أن يعلم جميع الناس البراءة المذكورة فقال وَأَذانٌ وارتفاعه كارتفاع براءة على الوجهين، ثم الجملة معطوفة على مثلها. وخطىء الزجاج في قوله «إنه معطوف على براءة» لأنه لو عطف عليها لكان هو أيضا مخبرا عنه بالخبر الأوّل وهو إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ لكنه غير مقصود بل المقصود الإخبار عنه بقوله إِلَى النَّاسِ والأذان اسم بمعنى الإيذان الإعلام كالأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء ومنه أذان الصلاة. أمر الله تعالى بهذا الإعلام يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وهو الجمع الأعظم الذي حضر فيه المؤمن والمشرك والعاهد الناكث وغير الناكث ليصل الخبر إلى جميع الأطراف ويشتهر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يحج في السنة الآتية فأمر بإظهار هذه البراءة لئلا يحضر الموقف غير المؤمنين الموحدين وقيل: يوم الحج الأكبر يوم عرفة لأن فيه أعظم أعمال الحج وهو الوقوف بعرفة ولهذا

قال صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة» «١» وهو قول عمر وسعيد بن المسيب وابن الزبير وعطاء وطاوس ومجاهد وإحدى الروايتين عن علي عليه السلام وابن عباس ورواية المسوّر بن مخرمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة فقال: أما بعد فإن هذا يوم الحج الأكبر.

وقال ابن عباس في رواية عطاء: هو يوم النحر. ووافقه قول الشعبي والنخعي والسدي والمغيرة بن شعبة وسعيد بن جبير. وذلك أن معظم أفعال الحج من الطواف والحلق والرمي والنحر يقع فيه. ومثله ما

روي عن علي رضي الله عنه أن رجلا أخذ بلجام دابته فقال: ما يوم الحج الأكبر؟ فقال: يومك هذا خلّ عن دابتي يعني يوم النحر.

وعن ابن


(١) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>