للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستقبل فإذا دخلت عليه الألف صار تحضيضا على فعل ما يستقبل و «ليس» مستعمل في نفي الحال فإذا دخلت عليه الألف صار لتحقيق الحال.

قال ابن إسحق والسدي والكلبي: نزلت فى كفار مكة نكثوا أيمانهم بعد عهد الحديبية وأعانوا بني بكر على خزاعة وهموا بإخراج الرسول من مكة حتى هاجر أو من المدينة. يريد اليهود هموا بإخراجه منها ونكثوا عهده وظاهروا أبا سفيان عليه صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب.

وقيل: همت قريش يوم الحديبية بأن يدخلوه صلى الله عليه وسلم مكة ثم يخرجوه قبل أن يتم حجه استخفافا به صلى الله عليه وسلم،

وعلى هذا أريد بالهم العزم على الفعل وإن لم يوجد وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بالقتال يعني يوم بدر لأنهم حين سلم العير قالوا: لا ننصرف حتى نستأصل محمدا ومن معه. أو المراد أنهم قاتلوا حلفاءه من خزاعة، أو المراد أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءهم أولا بالكتاب المنير وتحداهم به فعدلوا عن المعارضة لعجزهم عنها إلى المقاتلة والبادئ أظلم. والحاصل أن من كان في مثل صفاتهم من نكث العهد وإخراج الرسول والبدء للقتال حقيق بأن لا تترك مقاتلته وأن يوبخ من فرط فيها. ثم زاد في التوبيخ فقال فيه أَتَخْشَوْنَهُمْ تقريرا للخشية منهم وتقوية لداعية القتال كما إذا قلت للرجل: أتخشى خصمك لأنه يستنكف أن ينسب إلى كونه خائفا من خصمه.

ثم بيّن ما يجب أن يكون الأمر عليه قائلا فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يعني أن قضية الإيمان الصحيح أن لا يخشى المؤمن إلا الله، لأن قدرته أتم وعقابه أشدّ بل لا قدرة إلا له ولا يكون إلا ما يريد. وفي الفاء نوع من تعليل لأن الاستفهام في معنى النهي كأنه قيل: لا تخشوهم لأن الله أحق بالخشية وأحرى بالطاعة، وفيه نوع مجازاة كأنه قيل:

إن صح أنكم مؤمنون فلا تخشوا إلا الله. ثم زاد في تأكيد الأمر بالقتال فقال قاتِلُوهُمْ ورتب عليه خمس نتائج: الأولى: قوله يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ أي القتل والأسر واغتنام الأموال، وهذا لا ينافي وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال: ٣٣] لأنه أراد هناك عذاب الاستئصال. قالت الأشاعرة: في الآية دلالة على أن الذي يدخل في الوجود من الأفعال كلها من الله يظهرها على أيدي العباد. واعترض الجبائي بأنه لو كان كذلك لجاز أن يقال: كذب الله أنبياءه على لسان الكفرة. وأجيب بأن الأمر كذلك عندنا إلا أنا لا نقوله رعاية للأدب كما لا يقال يا خالق الخنافس والحشرات. وكما أنكم لا تقولون يا مسهل أسباب الزنا واللواط ويا دافع الموانع عنها. الثانية: وَيُخْزِهِمْ قيل: هو الأسر.

وقيل: المراد ما نزل بهم من الذل والهوان حين شاهدوا أنفسهم مقهورين في أيدي المؤمنين وهو قريب من الأول. أو هو هو. وقيل: هو عذاب الآخرة. الثالثة: وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ أورد عليه أن النصر يستتبعه إخزاء الخصم فأي حاجة إلى إفراده بالذكر؟ والجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>