الغنائم فاستقبلونا بالسهام فانكشف المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق معه إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحرث، والذي لا إله إلا الله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم دبره قط، ولقد رأيته وأبو سفيان أخذ بالركاب والعباس آخذ بلجام الدابة وهو يقول:
أنا النبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطلب وطفق يركض بغلته نحو الكفار لا يبالي وكانت بغلته شهباء ثم قال للعباس: ناد المهاجرين والأنصار وكان العباس رجلا صيتا فنادى يا أصحاب الشجرة فرجعوا ونزلت الملائكة عليهم ثياب بيض وهم على خيول بلق، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده كفا من الحصباء فرماهم بها وقال: شاهت الوجوه، فما زال جدهم مدبرا وحدهم كليلا ولم يبق منهم أحد إلا وقد امتلأت عيناه من ذلك التراب فانهزموا
وذلك قوله سبحانه ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ رحمته التي سكنوا بها وآمنوا عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ الذين كانوا انهزموا وعلى الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقع الهرب.
وَأَنْزَلَ الله جُنُوداً لَمْ تَرَوْها يعني الملائكة ستة عشر ألفا أو ثمانية آلاف أو خمسة آلاف على اختلاف الروايات. وعن سعيد بن المسيب قال: حدّثني رجل كان من المشركين يوم حنين: قال لما كشفنا المسلمين جعلنا نسوقهم فلما انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء تلقانا رجال بيض الوجوه حسان فقالوا: شاهت الوجوه ارجعوا فرجعنا وركبوا أكتافنا. واختلفوا في قتال الملائكة فقيل: قاتلوا. وقيل: ما قاتلوا إلا يوم بدر وإنما نزلوا في هذا اليوم لتكثير السواد ولإلقاء الخواطر الحسنة في قلوب المؤمنين. ثم قال وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي بالقتل والأسر وأخذ الأموال وسبي الذراري. واحتجت الأشاعرة بإنزال السكينة وهي داعية السكون والثبات وبقوله وَعَذَّبَ على أن الدواعي والأفعال كلها بخلق الله تعالى.
ثم ختم الآية بقوله وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ واعلم أن الحنفية تمسكوا في مسألة الجلد مع التغريب بقوله تعالى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا [النور: ٢] قالوا الفاء للجزاء اسم للكافي وكون الجلد كافيا يمنع أن يكون غيره مشروعا معه. وأجابت الشافعية بأنه قال تعالى في هذه الآية وَذلِكَ أي الأخذ والأسر جَزاءُ الْكافِرِينَ سمي العذاب العاجل جزاء مع أنه غير كاف لأن العذاب الآجل باق. أما قوله ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي يسلم ناس منهم.
روي أن ناسا منهم جاؤا تائبين فأسلموا وقالوا: يا رسول الله أنت خير الناس وأبرهم وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا. قيل سبي يومئذ ستة آلاف نفس وأخذ من الإبل والغنم ما لا يحصى. فقال: إن عندي ما ترون العساكر الفقراء وإن خير القول أصدقه،