للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبب في وقوع هذا الكفر في طوائف النصارى. والأقرب أن لفظ الابن قد وقع في الإنجيل على سبيل التشريف حيث قال: إنك أنت الابن الوحيد كما وقع لفظ الخليل في حق إبراهيم عليه السلام. وقال المسيح عليه السلام للحواريين: أحبوا أعداءكم وباركوا على لاعنيكم وأحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا على من يؤذيكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماء الذي أشرق شمسه على الصالحين والفجرة. ثم إن القوم لأجل عداوة اليهود ولأجل أن يقابلوا غلوهم الفاسد في أحد الطرفين بغلو فاسد في الطرف الآخر حملوا لفظ الابن على البنوة الحقيقية والله تعالى أعلم يحقيقة الحال. ثم قال سبحانه ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ وفائدة هذا التخصيص- وكل قول فإنما يقال بالفم- أنه قول لا يعضده برهان بل البرهان دال على نقيضه لاستحالة إثبات الولد لمن هو مبرأ عن الحاجة والشهوة والمضاجعة واتخاذ الصاحبة، فما هو إلا لفظ يفوهون به فارغ من معنى تحته كالألفاظ المهملة التي لا تجاوز الحناجر ولا يؤثر معناها في القلب بل لا معنى لها حتى تؤثره، نظيره قوله وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [النور: ١٥] أو نقول: إن الإنسان قد يختار مذهبا ولكن لا يصرح به ولا يذكره بلسانه، أما إذا نطق به فذلك هو الغاية في اختياره وإذا ساعده عليه دليل كان نهاية في الحسن والتأثير. فالمراد بالقول المذهب وأنهم يصرحون به لا يخفونه البتة، أو أنه مذهب لا يساعده دليل فلا تأثير له في القلوب. ويحتمل أن يراد أنهم دعوا الخلق إلى هذه المقالة حتى وقعت في الأفواه والألسنة يضاهنون من قرأ بغير همز فظاهر لأنه من ضاهى يضاهي منقوصا أي شاكل، ومن قرأ بالهمز فلمجيء ضاهأت من قولهم امرأة ضهيأ على وزن «فعيل» وهي التي شاكلت الرجال في أنها لا تحيض ومن جعل ضهيأ على «فعلأ» بزيادة الهمزة كما في «غرقىء» لقشرة البيض السفلى لمجيء ضهياء ممدودا بمعناه فلا ثبت في هذا الثاني عنده. ولا بد من تقدير مضاف أي يضاهي قولهم قول الذين، حذف المضاف وأقيم الضمير المضاف إليه مقامه فانقلب مرفوعا لفقد الجار. والمعنى أن قول هؤلاء المعاصرين للنبي من أهل الكتاب يشبه قول قدمائهم أي إنه كفر قديم فيهم غير مستحدث، أو يضاهي قول أهل الكتاب قول المشركين القائلين الملائكة بنات الله. وقيل: الضمير في يُضاهِؤُنَ للنصارى فقط أي يشاكل قول النصارى «المسيح ابن الله» قول اليهود «عزير ابن الله» لأن اليهود أقدم منهم. ثم قال على عادة محاورات العرب معجبا ومستفهما على سبيل الإنكار قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ كيف يصرفون عن الحق أي هم أحقاء بأن يقال لهم هذا تعجبا من شناعة قولهم كما يقال القوم ركبوا شنعاء: قاتلهم الله ما أعجب فعلهم، ولمن ضل عن الطريق أين تذهب؟. ثم وصفهم

<<  <  ج: ص:  >  >>