للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظالمين فقال سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ثم ذكر نوعا آخر من قبائح أفعال أهل الكتاب وهو سعيهم في إبطال أمر محمد وجدهم في إخفاء الدلائل الدالة على صحة نبوّته فقال يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ أي دينه الثابت بالدليل المشبه بالنور لاشتراكهما في الاهتداء بهما. وذلك أن دين محمد مؤيد بالمعجزات الباهرة التي بمثلها ثبتت نبوّة موسى وعيسى ولا سيما بالقرآن، وحاصل شرعه تعظيم الله وتنزيهه عما لا يليق به والانقياد لطاعته وصرف النفس عن الأمور الفانية والترغيب في السعادات الباقية، ثم إنهم بكلماتهم الركيكة وشبهاتهم السخيفة أرادوا إبطال هذه الدلائل فكانوا كمن يريد إبطال نور الشمس الذي هو أشد الأنوار المحسوسة بسبب أن ينفخ فيه. ولا ريب أن ذلك سعي باطل وكيد زاهق ولهذا قال وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ أي لم يرد الله إلا ذلك إلا أن الإباء يفيد زيادة على عدم الإرادة وهي المنع والامتناع قال:

وإن أرادوا ظلمنا أبينا امتدح بذلك ولا يجوز أن يمتدح بأنه يكره الظلم لأن ذلك يستوي فيه القوي والضعيف. وفيه وعد بمزيد النصرة والقوة وإعلاء الدرجة. ثم أكد ذلك المعنى بقوله هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى أي بكثرة الدلائل والمعجزات وَدِينِ الْحَقِّ لاشتماله على أمور تظهر لكل أحد كونه موصوفا بالصواب ومطابقا للحكمة ومؤديا إلى صلاح الدنيا والآخرة. ثم بيّن غاية أمره وتمام حكمه فقال لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أي ليجعل الرسول أو دين الحق غالبا على أهل الأديان كلهم أو على كل دين. عن أبي هريرة أنه قال هذا وعد من الله بأن يجعل الإسلام ظاهرا على جميع الأديان، وتمام هذا إنما يظهر عند خروج المهدي ونزول عيسى. وقال السدي: ذلك عند خروج المهدي عليه السلام لا يبقى أحد إلا دخل الإسلام وأدّى الخراج. قلت: قد دخل في عصرنا من الملوك الكفرة ومن أشياعهم في الإسلام ما لا يعدّ ولا يحصى، وازدياد ذلك كل يوم دليل ظاهر على أن الكل سيدخلون في الإسلام.

وقد جاء في الحديث: «زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتى ما زوي لي منها» «١»

وقيل: ليظهر الإسلام على غيره في جزيرة العرب.

وهذا تخصيص أوجبه ضيق العطن. وقيل: ليظهر الرسول على جميع شرائط الدين حتى لا يخفى عليه شيء من مدارك الأحكام. وقيل ليظهره بالحجة والبرهان لأن غلبة الكفار في


(١) رواه أحمد في مسنده (٥/ ٢٧٨، ٢٨٤) (٤/ ١٢٣) . مسلم في كتاب الفتن حديث ١٩. أبو داود في كتاب الفتن باب ١. الترمذي في كتاب الفتن باب ١٤. ابن ماجه في كتاب الفتن باب ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>