للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون من الله في ذلك إذن وإلا لم يعاتب أو منع وإلا كان عاصيا بل كافرا لقوله وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة: ٤٧] ولا ريب أنه لا يكون بمجرد التشهي فيكون بالاجتهاد ثم إنه لم يمنع من الاجتهاد مطلقا وإنما منع إلى غاية هي قوله حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ ولا يمكن أن يكون المراد من ذلك التبين هو التبين بطريق الوحي وإلا كان ترك ذلك كبيرة فتعين أن يحمل التبين على استعلام الحال بطريق الاجتهاد ليكون الخطأ واقعا في الاجتهاد لا في النص ويدخل تحت

قوله «ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد» «١»

وفي الآية دلالة على وجوب الاحتراز عن العجلة وترك الاغترار بظواهر الأمور. قال قتادة: عاتبه الله كما تسمعون ثم رخص له في سورة النور في قوله فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ [الآية: ٦٢] . قال أبو مسلم: يحتمل أن يريد بقوله لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ الإذن في الخروج لا في القعود، فقد يكون الخروج غير صواب لكونهم عينا للمنافقين على المسلمين، وإذا كان هذا محتملا فلا تتعين الآية لرخصة الإذن في القعود. وقال القاضي: هذا بعيد لأن سياق الآية يدل على أن الكلام في القاعدين وفي بيان حالهم.

ثم ذكر أنه ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوا لأن الاستئذان من علامات النفاق فقال لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا أي في أن يجاهدوا، وكان الأكابر من المهاجرين والأنصار يقولون: لا نستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد وكانوا بحيث لو أمرهم بالقعود شق عليهم ذلك. ألا ترى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يبقى في المدينة شق عليه ذلك ولم يرض إلى أن

قال له الرسول صلى الله عليه وسلم «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»

وقيل: إن حرف النفي مضمر كإضمار الجار والتقدير في أن لا يجاهد والآن سياق الآية يدل على ذم من يستأذن في القعود.

وعلى هذا يمكن أن يقال: معناه كراهة أن يجاهدوا وفي قوله وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ رمز إلى أنهم من جملة المتقين وأن لهم ثوابهم. ثم بين الذين من شأنهم الاستئذان فقال إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الآية. وفيه أن الشاك في أمر الدين وفي أصوله لا في بعض مسائله غير مؤمن بالله تعالى، وفيه أن محل الريب واليقين هو القلب وأن الإيمان ليس مجرد الإقرار باللسان وإلا لم يصح نفيه عن المنافقين. ومعنى قوله فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ أن الشاك متردد بين النفي والإثبات غير حاكم بأحد الطرفين. وتقريره أن الاعتقاد إما أن يكون جازما


(١) رواه البخاري في كتاب الاعتصام باب ٢١. مسلم في كتاب الأقضية حديث ١٥. أبو داود في كتاب الأقضية باب ٢. الترمذي في كتاب القضاة باب ٣. ابن ماجه في كتاب الأحكام باب ٣.
أحمد في مسنده (٢/ ١٨٧) (٤/ ١٩٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>