الأولى إحراز الغنيمة والظفر بالأعداء، وفي الثانية إبقاء الذكر والفوز بنعيم الآخرة.
وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ قارعة مثل قارعة عاد وثمود وقيل:
عذاب الله يشمل عذاب الدارين أَوْ بِأَيْدِينا يعني القتل بأن يظهر نفاقكم ويأمر بقتلكم كالكافر الحربي فَتَرَبَّصُوا أمر للتهديد نحو ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:
٤٩] ثم ذكر أنهم إن أتوا بشيء من صورة البر لم يكن له قدر عند الله ولا ينتفعون به في الآخرة، والغرض أن أسباب الذل والهوان مجتمعة عليهم في الدنيا والأخرى.
عن ابن عباس نزلت في الجد بن قيس حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ائذن لي في القعود وهذا مالي أعينك به.
ولا يبعد أن يكون السبب خاصا والحكم عاما. وأَنْفِقُوا لفظه أمر ومعناه خبر كقوله فيما يجيء اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ [التوبة: ٨٠] ومعناه أنفقوا وانظروا هل يتقبل منكم واستغفر لهم، أو لا تستغفر لهم وانظر هل ترى اختلافا بين حال الاستغفار وتركه؟
ومثله قول كثير لعزة:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة كأنه يقول: امتحني لطف محلك عندي وعامليني بالإساءة والإحسان وانظري هل تجدين منى تفاوتا في الحالين. وإنما يجوز إقامة الخبر والطلب أحدهما مقام الآخر إذا دل الكلام عليه فيعدل عن الأصل لإفادة المبالغة. وانتصب طَوْعاً أَوْ كَرْهاً على الحال ومعناه طائعين من غير إلزام من الله ورسوله أو ملزمين من جهتهما. وسمي الإلزام كراها لأنهم منافقون فكان إلزام الله إياهم الإنفاق شاقا عليهم كالإكراه. ويحتمل أن يراد طائعين من غير إكراه من رؤسائكم أو ملزمين من جهتهم، وذلك أن رؤساء أهل النفاق كانوا يحملونهم على الإنفاق إذا رأوا فيه مصلحة. ومعنى لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ أن الرسول لا يقبله منكم، أو أنه لا يقع مقبولا عند الله. ثم علل عدم القبول بقوله إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ قال الجبائي: فيه دليل على أن الفسق يحبط الطاعات. وأجيب بأن الفسق هاهنا بمعنى الكفر ولا يلزم منه كون الفسق المطلق كذلك. وإنما قلنا إن الفسق بمعنى الكفر لقوله سبحانه وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ الآية علل منع القبول بأمور ثلاثة: أولها: الكفر بالله وبرسوله. وثانيها وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى قال المفسرون: معناه أنه إن كان في جماعة صلى وإن كان وحده لم يصل، وفيه أنه يصلي للناس لا لله، وفيه أنه غير معتقد للصلاة ووجوبها فلهذا لزم منه الكفر.
وثالثها: وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ وذلك أنهم لا ينفقون رغبة في ثواب الله وإنما ينفقون لأجل المصالح الدنيوية، فهم في حكم الكارهين وإن أنفقوا مختارين يعدون الإنفاق مغرما ومنعه مغنما خلاف
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أدوا زكاة أموالكم