بالنعم كقوله إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً [آل عمران: ١٧٨] كأنه قيل: ويريد أن يديم عليهم نعمه إلى أن يموتوا وهم كافرون مشغولون بالتمتع عن النظر للعاقبة. ومن قبائح أفعال المنافقين ما حكى الله سبحانه عنهم في قوله وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ أي على دينكم. ثم قال وَما هُمْ مِنْكُمْ أي ليسوا على دينكم. وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ يخافون القتل فيظهرون الإيمان تقية.
ثم أكد نفاقهم بقوله لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً مفرا فيتحصنون فيه آمنين على أنفسهم منكم لفروا إليه ولفارقوكم، فلا تظنوا أن موافقتهم إياكم في الدار والمسكن من صميم القلب. والمغارات جمع مغارة وهو الموضع الذي يغور الإنسان فيه أي يستتر. والمدخل بالتشديد مفتعل من الدخول أدغمت التاء في الدال لقرب مخرجيهما. والتدخل «تفعل» من الإدخال ومعناه المسلك الذي يتحفظ بالدخول فيه. قال الكلبي وابن زيد: نفق كنفق اليربوع. والمراد أنهم لو وجدوا مكانا على أحد هذه الوجوه مع أنها شر الأمكنة لَوَلَّوْا إِلَيْهِ يقال: ولي إليه بنفسه إذا انصرف وولي غيره إذا صرفه وَهُمْ يَجْمَحُونَ أي يسرعون إسراعا لا يرد وجوهم شيء. ومنه الفرس الجموح لا يرده اللجام. والحاصل أنهم من شدة تأذيهم وتنفرهم من الرسول والمسلمين صاروا بهذه الحالة. قال بعض العلماء: إنه تعالى ذكر ثلاثة أشياء والأقرب حملها على المعاني المتغايرة، فالملجأ الحصون، والمغارات الكهوف في الجبال، والمدخل السرب تحت الأرض كالآبار والله تعالى أعلم. ومن جملة قبائحهم قوله وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ الآية. قال الزجاج: لمزت الرجل ألمزه وألمزه بكسر الميم وضمها إذا عبته. وفرق الليث فقال: اللمز العيب في الحضور، والهمز الغيب في الغيبة، واعلم أن العيب في الصدقات يحتمل وجوها:
الأول: في أخذها بأن يقال انتزاع كسب الإنسان من يده غير معقول لأن الله هو المتكفل بمصالح عبيده إن شاء أفقرهم وإن شاء أغناهم. الثاني: أن يقال: هب أنك تأخذ الزكوات إلا أن ما تأخذه كثير فوجب أن تقنع بأقل من ذلك. الثالث: هب أنك تأخذ هذا الكثير إلا أنك تصرفه إلى غير مصرفه فيكون العيب قد وقع في قسمة الصدقات وفي تفريقها وهذا هو الذي دلت الأخبار على أنهم أرادوه.
عن أبي سعيد الخدري بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم حنين قال له ابن ذي الخويصرة رأس الخوارج: أعدل يا رسول الله. فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل فنزلت.
وعن الكلبي هو أبو الجواظ قال: ألا ترون إلى صاحبكم إنما يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم وهو يزعم أنه يعدل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أبا لك أما كان موسى راعيا. أما كان داود راعيا فلما ذهب قال