٤٤] الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وبحدوث الأجسام قول إبراهيم عليه السلام لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الأنعام: ٧٦] وبحدوث الأعراض دلائل الأنفس ودلائل الآفاق، فإن كل أحد يعلم بالضرورة أنه كان معدوما قبل ذلك، والموجود بعد العدم له موجد وليس هو نفسه ولا الأبوان ولا سائر الناس لعجز الكل، ولا طبائع الفصول والأفلاك الآفلات في أفق الإمكان فهو شيء غير متسم بسمة الحدوث والنقصان، وهذا الطريق هو أقرب الطرق إلى الأفهام، فلهذا أورده الله تعالى في فاتحة كتابه لينتفع به الخاص والعام مع أن فيه تذكيرا لنعمه السابقة وعطيته السابغة عليهم وعلى آبائهم، وتذكير النعم مما يوجب المحبة والميل إلى الإنصاف وترك الجدال.
وأما قوله «لعلكم تتقون» ففيه بحثان: الأول: كلمة «لعل» للترجي أو الإشفاق ولا يحصلان إلا عند الجهل بالعاقبة وهو على الله محال والجواب أن الترجي راجع إلى العباد لا إلى الله تعالى كقوله لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى أي اذهبا أنتما على رجائكما وطمعكما في إيمانه، ثم الله عالم بما يؤول إليه أمره. وأيضا فمن ديدن الملوك أن يقتصروا في مواعيدهم التي يوطنون أنفسهم لإنجازها على أن يقولوا «عسى» و «لعل» ، وحينئذ لا يبقى لطالب ما عندهم شك في الفوز والنجاح بالمطلوب، أو جاء على طريق الأطماع دون التحقيق لئلا يتكل العباد مثل تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [التحريم:
٨] وقع «لعل» موقع المجاز لا الحقيقة لأن الله عز وجل خلق عباده ليتعبدهم بالتكليف، وركب فيهم العقول والشهوات وأزاح العلة في إقدارهم وتمكينهم، وهداهم النجدين وأراد منهم الخير والتقوى، فهم في صورة المرجو منهم أن يتقوا لترجح أمرهم وهم مختارون بين الطاعة والعصيان كما ترجحت حال المترجي بين أن يفعل وبين أن لا يفعل، ونظيره لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك: ٢] وهذا الجواب مبني على أن قوله «لعلكم» متعلق بخلفكم» مثل وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] لا ب «اعبدوا» وقيل: «لعل» بمعنى «كي» ووجه بأنها للأطماع والكريم الرحيم إذا أطمع فعل، فجرى إطماعه مجرى وعده المحتوم فلهذا قيل: إنها بمعنى «كي» قال القفال: في «لعل» معنى التكرير والتأكيد إذ اللام للإبتداء نحو «لقد» ، ولقولهم علك أن تفعل كذا و «عل» يفيد التكرير ومنه العلل بعد النهل. فقول القائل «افعل كذا لعلك تظفر بحاجتك» معناه افعله فإن فعلك له يؤكد طلبك له ويقويك عليه.