أتباع المنافقين حصل بسبب التقليد لأكابرهم بمقتضى الطبع والعادة بخلاف الموافقة بين المؤمنين فإنها بسبب المشاركة في الاستدلال والتوفيق والهداية. وأقول: كون بعض المنافقين من بعض يوجب اشتراكهم في أمر من الأمور بالجملة كالدار أو حكم من الأحكام الشرعية أو سيرة وطريقة وهذا هو المقصود، ولكنه يحتمل أن يكون تكلفا أو بطريق النفاق لأن سببه انعقاد غرض من الأغراض الدنيوية العاجلة فذكر الله تعالى اشتراكهم في ذلك بلفظ «من» لمكان الاحتمال المذكور. وأما تشارك المؤمنين في السيرة فلما كان سببه الإخلاص والعصبية للدين والاجتماع على ما يفضي إلى سعادة الدارين كانت الموالاة بينهم محققة فصرح الله تعالى بذلك. ثم وصفهم بأضداد صفات المنافقين فقال يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وهاتان الصفتان بالنسبة إلى غيرهم. ثم قال وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهاتان لهم في أنفسهم وهما بإزاء قوله في صفة المنافقين وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ [التوبة: ٥٤] .
ثم وصفهم بالطاعة على الإطلاق فقال وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي في كل ما يأتون ويذرون. ثم ذكر ما أعدّ لهم من الثواب على سبيل الإجمال فقال أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ والسين تفيد المبالغة في إنجاز الوعد بالرحمة كما يؤكد الوعيد به إذا قلت سأنتقم منك يوما يعني أنك لا تفوتني وإن تباطأ ذلك. ثم ختم الآية بقوله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وفيه ترغيب للمؤمنين وترهيب للكافرين لأن العزيز هو من لا يمنع من مرادة في عباده من رحمة أو عقوبة. والحكيم هو الذي يدبر عباده على وفق ما يقتضيه العدل والصلاح. ثم فصل ما أجمل من الرحمة بقوله وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ لآية. وقد كثر كلام أصحاب الآثار في معنى جنات عدن
فقال الحسن: سألت عمران بن الحصين وأبا هريرة عن ذلك فقالا:
على الخبير سقطت سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«هو قصر في الجنة من اللؤلؤ وفيه سبعون دارا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون فراشا على كل فراش زوجة من الحور العين، وفي كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لونا من الطعام، وفي كل بيت سبعون وصيفة يعطى المؤمن من القوة ما يأتي على ذلك أجمع» .
وعن ابن عباس أنها دار الله لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر. وقال ابن مسعود: جنات عدن بطنان الجنة أي وسطها قاله الأزهري. وبطنان الأودية المواضع التي يستنقع فيها السيل واحدها بطن. وقال عطاء عن ابن عباس: هي قصبة الجنة وسقفها عرش الرحمن وهي المدينة التي فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى. وسائر الجنات حولها. وفيها عين التسنيم وفيها قصور الدر والياقوت والذهب. فتهب الريح من تحت العرش فتدخل عليها كثبان المسك الأبيض.