لأن الغالب ممن يقام عليه الحد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كونه منافقا.
قال الضحاك: خرج المنافقون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وكانوا إذا خلا بعضهم إلى بعض سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وطعنوا في الدين، فنقل ما قالوا حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أهل النفاق ما هذا الذي بلغني عنكم؟ فحلفوا ما قالوا شيئا من ذلك فأنزل الله تعالى يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وعن قتادة أن رجلين اقتتلا رجل من جهينة ورجل من غفار فظهر الغفاري على الجهني فنادى عبد الله بن أبيّ يا بني الأوس انصروا أخاكم فو الله ما مثلنا محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك وقال لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [المنافقون: ٨] فسعى بها رجل من المسلمين إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فجعل يحلف بالله ما قال فنزلت الآية.
ومعنى قوله وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ أنهم أظهروا الكفر بعد ما كانوا يظهرون الإسلام. أما قوله وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا فهو الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم عند مرجعه من تبوك، وذلك أنه توافق خمسة عشر رجلا منهم على أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنم العقبة بالليل، وكان عمار بن ياسر أخذ بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها، فبيناهم كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وبقعقعة السلام فالتفت فإذا هم قوم متلثمون فقال: إليكم إليكم يا أعداء الله فهربوا. وقيل: همّ المنافقون بقتل عامر بن قيس لرده على الجلاس بن سويد وقد مر في تفسير قوله يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ [التوبة: ٦٢] وقيل: أرادوا أن يتوجوا عبد الله بن أبي وإن لم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَما نَقَمُوا وما أنكروا وما عابوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ كقول القائل.
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم وذلك أنهم كانوا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في ضنك من العيش لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة فظفروا بالغنائم وجمعوا الأموال.
وروي أنه قتل للجلاس مولى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته اثني عشر ألفا فاستغنى،
ثم استعطف قلوبهم بعد صدور هذه الجنايات العظيمة عنهم فقال فَإِنْ يَتُوبُوا بك يعني ذلك الرجوع خَيْراً لَهُمْ وكان الجلاس ممن تاب فحست توبته وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يعرضوا عن التوبة يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا بالقتل والسبي واغتنام الأموال. وقيل: بما ينالهم عند الموت ومعاينة ملائكة العذاب. وقيل: في القبر وأما عذاب الآخرة فمعلوم وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ يحتمل أرض الدنيا وأرض القيامة.
ثم بين أن هؤلاء كما ينافقون الرسول والمؤمنين فكذلك ينافقون ربهم فيما يعاهدونه