على أن خالق الكفر في القلوب هو الله، ومن هنا قال الزجاج: معناه أنهم لما ضلوا في الماضي فالله تعالى يضلهم عن الدين في المستقبل ومما يؤكد القول بأن الضمير في فَأَعْقَبَهُمْ لله أن الضمير في قوله إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ عائد إلى الله. وللمعتزلة أن يقولوا:
النفاق وإن سلم أنه وجودي لكنه أمر شرعي ولا يبعد جعل شيء عدمي أمارة عليه. وأيضا الترك المقرون بالتولي والإعراض لا نسلم أنه لا يحصل معه النفاق، ولا يلزم من كون الترك المحرم موجبا للكفر بجعل الشارع كون الترك الجائز كذلك، ولا نسلم أن البخل هو بعينه إخلاف الوعد والكذب بل قد يقع البخل من غير سبق وعد. سلمنا عود الضمير إلى الله لكن من أين يلزم كونه خالقا للكفر والنفاق، ولم لا يجوز أن يراد فأعقبهم الله العقوبة على النفاق بإحداث الغم في قلوبهم وضيق الصدور ما ينالهم من الذل والخوف، أو يراد فخذلهم حتى نافقوا وتمكن في قلوبهم نفاقهم فلا ينفك عنها إلى أن يموتوا؟ ولأهل السنة أن يقولوا هذا عدول عن الظاهر مع أن الدلائل الدالة على وجوب انتهاء الكل إلى مشيئة الله وتقديره تعضد ما قلناه. قال العلماء: ظاهر الآية يدل على أن نقض العهد وخلف الوعد يورث النفاق، فعلى المسلم أن يبالغ في الاحتراز عنه. ومذهب الحسن البصري أن نقض العهد يوجب النفاق لا محالة تمسكا بهذه الآية
وبقوله صلى الله عليه وسلم «ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صلى وصام وزعم أنه مؤمن إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان»«١»
وقال عطاء بن أبي رباح: حدثني جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذكر قوله «ثلاث من كن فيه فهو منافق» في المنافقين خاصة الذين حدثوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذبوه واؤتمنوا على سره فخانوه ووعدوه أن يخرجوا معه إلى الغزو فأخلفوه.
ونقل أن عمرو بن عبيد فسر الحديث فقال: إذا حدث عن الله كذب عليه وعلى دينه ورسوله، وإذا وعد أخلف كما ذكره الله فيمن عاهده، وإذا اؤتمن على دين الله خان في السر وكان قلبه على خلاف لسانه. ونقل أن واصل بن عطاء أرسل إلى الحسن رجلا فقال: إن أولاد يعقوب حدثوه في قولهم فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ [يوسف: ١٧] فكذبوا، ووعدوه في قولهم وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [يوسف: ١٢] فأخلفوا وائتمنهم أبوهم على يوسف فخانوه، فهل تحكم بكونهم منافقين؟ فتوقف الحسن في مذهبه. قال أهل التفسير: قوله إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ دل على أن ذلك المعاهد يموت على ذلك وكان كما أخبر فيكون إخبارا بالغيب ومعجزا. قال الجبائي: هذا اللقاء لا شك أنه ليس بمعنى الرؤية لأن الكفار لا يرونه بالاتفاق فدل على
(١) رواه أحمد في كتاب الإيمان باب ٢٤. مسلم في كتاب الإيمان حديث ١٠٧- ١٠٩. الترمذي في كتاب الإيمان باب ١٤.