للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمال للقتل والإهدار. قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ أن بعد هذه الدار دار أخرى وبعد هذه الحياة حياة أخرى. وهذه المشقة منقضية سهلة وتلك باقية صعبة ولبعضهم وكأنه صاحب الكشاف:

مسرة أحقاب تلقيت بعدها ... مساءة يوم أنها شبه أنصاب

فكيف بأن تلقى مسرة ساعة ... وراء تقضيها مساءة أحقاب

وفي هذا استجهال عظيم لهم. ثم قال فَلْيَضْحَكُوا وهو خبر إلا أنه أخرج على لفظ الأمر للدلالة على أنه حتم لا يكون غيره ومعناه فسيضحكون قليلا أي ضحكا قليلا أو زمانا قليلا وسيبكون كثيرا.

يروى أن أهل النفاق يبكون في النار عمر الدنيا لا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم.

ثم عرف نبيه وجه الصلاح في سائر الغزوات فقال فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ أي إن ردّك إلى المدينة. الرجع متعد مثل الرد، والرجوع لازم.

وإنما قال طائفه لأن منهم من تاب عن النفاق وندم أو اعتذر بعذر صحيح. وقيل: لم يكن المخلفون كلهم منافقين فأراد بالطائفة المخلفين من المنافقين. فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ إلى غزوة أخرى بعد غزوة تبوك فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً عاقبهم بإسقاط عن ديوان الغزاة جزاء على تخلفهم لما فيه من الذم والطرد وصلاحا لأمر الجهاد لما في استصحابهم من المفاسد المذكورة في قوله لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا [التوبة: ٤٧] ويعني بأول مرة غزوة تبوك. وإنما لم يقل أول المرات معرفا مجموعا لأن المعنى إن فصلت المرات مرة مرة كانت هذه أولها نظيره «هو أفضل رجل» يعني إن عدّ الرجال رجلا رجلا كان هو أفضلهم. وإنما لم يقل «أولى مرة» لأن أكثر اللغتين «هند أكبر النساء» ولا يكاد يقال «هي كبرى امرأة» فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ كقوله وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ [التوبة: ٤٦] والخالف من يخلف الرجل في قومه. وعن الأصمعي أنه الفاسد من خلف اللبن والنبيذ إذا فسد. وعن الفراء معناه المخالف. قال قتادة: ذكر لنا أن الخالفين الذين أمروا بالقعود كانوا اثني عشر رجلا.

عن ابن عباس أنه لما اشتكى عبد الله ابن أبيّ ابن سلول عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب منه أن يصلي عليه إذا مات ويقوم على قبره ويعطيه قميصه الذي يلي جلده ليكفن فيه ففعل كل ذلك.

وعنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: لما توفي عبد الله بن أبيّ دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه فقام إليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة تحوّلت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله أعلى عدوّ الله عبد الله ابن أبيّ القائل يوم كذا كذا وكذا؟ أعدد أيامه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم، حتى إذا أكثرت عليه قال: أخر عني يا عمر إني خيرت فاخترت، قد قيل لي استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن

<<  <  ج: ص:  >  >>