للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روائحها دلالة، فمنها قوت البشر، ومنها قوت البهائم كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ [طه: ٥٤] ومنها الطعام، ومنها الإدام، ومنها الدواء، ومنها الفواكه، ومنها كسوة البشر نباتية كالقطن والكتان، وحيوانية كالشعر والصوف والإبريسم والجلود. ومنها الأحجار المختلفة بعضها للزينة وبعضها للأبنية، فانظر إلى الحجر الذي يستخرج منه النار مع كثرته، وانظر إلى الياقوت الأحمر مع عزته، وانظر إلى كثرة النفع بذلك الحقير وقلة النفع بهذا الخطير. ومنها ما أودع الله تعالى فيها من المعادن الشريفة كالذهب والفضة، ثم تأمل أن البشر استنبطوا الحرف الدقيقة والصنائع الجليلة واستخرجوا السمك من قعر البحر، واستنزلوا الطير من أوج الهواء، لكن عجزوا عن اتخاذ الذهب والفضة. والسبب فيه أن معظم فائدتهما ترجع إلى الثمنية، وهذه الفائدة لا تحصل إلا عند العزة والقدرة على اتخاذهما تبطل هذه الحكمة فلذلك ضرب الله دونهما بابا مسدودا، ومن هاهنا اشتهر في الألسنة «من طلب المال بالكيمياء أفلس» . ومنها ما يوجد على الجبال والأراضي من الأشجار الصالحة للبناء والسقف ثم الحطب، وما أشد الحاجة إليه في الخبز والطبخ. ولعل ما تركنا من المنافع أكثر مما عددنا، فإذا تأمل العاقل في هذه الغرائب والعجائب اعترف بمدبر حكيم ومقدر عليم إن كان ممن يسمع ويعي ويبصر ويعتبر.

الثانية في منافع السماء: البناء مصدر سمي به المبني بيتا كان أو قبة أو خباء، وأبنية العرب أخبيتهم، ومنه بنى على امرأته لأنهم كانوا إذا تزوجوا ضربوا عليها خباء جديدا. ثم إن الله تعالى زين السماء الدنيا بالمصابيح وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ [الملك: ٥] وبالقمر وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً [نوح: ١٦] وبالشمس وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً [نوح:

١٦] وبالعرش رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة: ١٢٩] وبالكرسي وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [البقرة: ٢٥٥] وباللوح فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج: ٢٢] وبالقلم ن وَالْقَلَمِ [القلم: ١] وسماها سقفا محفوظا وسبعا طباقا وسبعا شدادا. وذكر أن خلقها مشتمل على حكم بليغة وغايات صحيحة رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا [آل عمران: ١٩١] وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [ص: ٢٧] وجعلها مصعد الأعمال ومهبط الأنوار وقبلة الدعاء ومحل الضياء والصفاء، وجعل لونها أنفع الألوان وهو المستنير، وشكلها أفضل الأشكال وهو المستدير، ونجومها رجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وقيض للشمس طلوعا يسهل معه التقلب لقضاء الأوطار في الأطراف، وغروبا يصلح معه الهدوء والقرار في الأكنان لتحصيل الراحة وانبعاث القوة

<<  <  ج: ص:  >  >>