العقبة الثانية وكانوا سبعين، والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير فعلمهم القرآن. والظاهر أن الآية عامة في كل من سبق في الهجرة والنصرة. قال أهل السنة: لا شك أن أبا بكر أسبق في الهجرة أو هو من السابقين فيها وقد أخبر الله تعالى عنهم بأنه رضي عنهم. ولا شك أن الرضا معلل بالسبق إلى الهجرة فيدوم بدوامه، فدل ذلك على صحة إمامته وإلا استحق اللعن والمقت. قال أكثر العلماء: كلمة «من» في قوله مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ للتبعيض، وإنما استحق السابقون منهم هذا التعظيم لأنهم آمنوا وفي عدد المسلمين في مكة والمدينة قلة وفيهم ضعف فقوي الإسلام بسببهم وكثر عدد المسلمين واقتدى بهم غيرهم. وقد قيل: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها. وقيل: للتبيين ليتناول المدح جميع الصحابة.
وروي عن حميد بن زياد أنه قال: قلت يوما لمحمد بن كعب القرظي: ألا تخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان بينهم؟
فقال لي: إن الله تعالى قد غفر لهم وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم. قلت له: في أي موضع أوجب لهم الجنة؟ قال: سبحان الله ألا تقرأ قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ إلى آخر الآية؟
أوجب لجميعهم الرضوان وشرط على التابعين شرطا لم يشترط عليهم وهو الاتباع بالإحسان وذلك أن يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة لا السيئة، أو بإحسان في القول وهو أن لا يقولوا فيهم سوءا ويحفظوا لسانهم عن الاغتياب والطعن في حقهم. قال العلماء: معنى رضا الله عنهم قبول طاعاتهم. ثم عاد إلى شرح أحوال المنافقين فقال: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ هو خبر ومِنَ الْأَعْرابِ بيان أو حال ومُنافِقُونَ مبتدأ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عطف على الخبر أو خبر لمبتدأ آخر بناء على أن التقدير ومن أهل المدينة قوم مَرَدُوا التركيب يدل على الملابسة والبقاء على هيئة واحدة من ذلك «صرح ممرد» و «غلام أمرد» و «أرض مرداء» لا نبات فيها وتمرد إذا عتا فإن من لم يقبل قول غيره ولم يلتفت إليه بقي كما كان على هيئته الأصلية من غير تغير. فمعنى مردوا على النفاق تمهروا وتمرنوا وبقوا عليه حذاقا معوّدين إلى حيث لا تعلم أنت نفاقهم مع وفور حدسك وقوة ذكائك. ثم قال سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ قال ابن عباس: هما العذاب في الدنيا بالفضيحة والعذاب في القبر.
روى السدي عن أبي مالك أنه صلى الله عليه وسلم قام خطيبا يوم الجمعة فقال: اخرج يا فلان إنك منافق، اخرج يا فلان إنك منافق، حتى أخرج ناسا وفضحهم.
وقال مجاهد: هما القتل والسبي وعذاب القبر. وقال قتادة: بالدبيلة وعذاب القبر. وقال محمد بن إسحق: هو ما يدخل عليهم من غيظ الإسلام والمسلمين ثم عذابهم في القبور. وقال الحسن: بأخذ الزكاة من أموالهم وبعذاب القبر. وقيل: أحد العذابين