حنين، فلما انهزمت هوازن خرج هاربا إلى الشام وأرسل الى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر وآت بجنود ومخرج محمدا وأصحابه من المدينة، فبنوا مسجدا وانتظروا أبا عامر ليصلي بهم في ذلك المسجد. ثم أخبر الله تعالى عن نفاقهم بقوله: وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا
أي ما أردنا ببناء هذا المسجد إِلَّا الخصلة الْحُسْنى وهي الصلاة وذكر الله والتوسعة على المسلمين.
قال المفسرون. إنهم لما بنوا مسجدهم وافق ذلك غزوة تبوك فأتوا رسول الله وقالوا: بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ونحن نحب أن تصلي لنا فيه وتدعو لنا بالبركة. فقال صلى الله عليه وسلم:
إني على جناح سفر وحال شغل وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه. فلما قفل من الغزوة سألوه إتيان المسجد فنزل لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً الآية فدعا بمالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن السكن ووحشي- قاتل حمزة- فقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه ففعلوا وأمر أن يتخذ مكانه كناسة تلقى فيه الجيف والقمامة، ومات أبو عامر بالشام بقنسرين.
وقال الحسن: همّ رسول الله أن يذهب إلى ذلك المسجد فناداه جبرائيل لا تقم فيه.
ولا ريب أن النهي عن القيام فيه يستلزم النهي عن الصلاة فيه. ثم بيّن علة النهي فقال: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أي من ابتداء وجوده أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ والمعنى لو كان القيام في غيره جائزا لكان هذا أولى لاشتماله على الخيرات الكثيرة فكيف إذا كان غيره مشتملا على المفاسد الكثيرة من الضرار وغيره؟ قالت الشيعة في هذا المقام: إن المسجد إذا كان مبنيا على التقوى من أول يوم كان أولى بالصلاة فيه فالإمام أولى بأن يكون متقيا من أول عمره وما ذاك إلا عليّ عليه السلام لأنه لم يكفر بالله طرفة عين. واختلفوا في هذا المسجد فقيل: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة،
عن أبي سعيد الخدري سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى. فأخذ الحصباء وضرب بها الأرض وقال: هو مسجدكم هذا مسجد المدينة. وقيل: هو مسجد قباء أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه أيام مقامه بقباء وهي يوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وخرج يوم الجمعة،
قال في الكشاف: وهذا أولى لأن الموازنة بين مسجدي قباء أوقع. وقال القاضي: كل مسجد بني على التقوى فإنه يدخل فيه كما لو قال قائل لرجل صالح أحق أن تجالسه لم يكن ذلك مقصورا على واحد. وأيضا كل مسجد بني مباهاة أو رياء وسمعة أو لغرض سوى وجه الله أو بمال غير طيب فهو لاحق بمسجد الضرار. ثم ذكر لمسجد التقوى وصفا آخر وذلك قوله: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا فقيل: إنه التطهر من الذنوب بالتوبة والاستغفار والإخلاص كما أن أهل مسجد الضرار