للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به وجملتها ثمانية وعشرون وأساميها مشهورة: الشرطين الثريا البطين إلخ. وهي كواكب ثابتة معروفة عندهم جعلوها علامات المنازل، فنرى القمر كل ليلة نازلا بقرب أحدها وذلك أنهم قسموا دور الفلك وهو اثنا عشر برجا على ثمانية وعشرين- عدد أيام دور القمر- فأصاب كل برج منزلان وثلث فسموا كل منزل بالعلامة التي وقعت وقت التسمية بحذائه. ثم ذكر بعض منافعهما العائدة على المكلفين فقال: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ حساب الأوقات من الأشهر والأيام والليالي. وقد ذكرنا السنة الشمسية والسنة القمرية وكيفية دوران إحداهما على الأخرى في تفسير قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ [التوبة: ٣٦] الآية فلا حاجة إلى التكرار. ثم أشار إلى سائر منافعهما وخواصهما بقوله:

ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ المذكور إِلَّا ملتبسا بِالْحَقِّ والصواب دون الباطل والعبث، فالشمس سلطان النهار والقمر خليفتها بالليل، وبحركة الشمس تنفصل السنة إلى فصولها الأربعة، وبالفصول تنتظم مصالح هذا العالم ويتحصل معايش الخلائق، وبحركة القمر يحصل الشهور، وباختلاف حاله في زيادة النور ونقصانه تختلف أحوال الرطوبات إلى غير ذلك من الخواص التي يرشد إليها التأمل والتدبر ولهذا قال: يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ لأنهم هم الذين ينتفعون بهذه الدلائل. وقيل: المراد بالعلم هاهنا العقل الذي يعم الكل. ثم ذكر المنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار وقد مر تفسيره في سورة «البقرة» في قوله: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الآية: ١٦٤] . ومعنى قوله:

وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كقوله: وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ [الآية: ١٨٥] وقد مر في آخر «الأعراف» . وإنما خص كونها آيات بالمتقين لأنهم يحذرون العاقبة فيدعوهم الحذر إلى التدبر والنظر. قال القفال: من تدبر في هذه الأحوال علم أن الدنيا مخلوقة لشقاء الناس وأن خالقها وخالقهم ما أهملهم بل جعلها لهم دار عمل، وإذا كان كذلك فلا بد من أمر ونهي ثم من ثواب وعقاب ليتميز المحسن عن المسيء، فهذه الأحوال في الحقيقة دالة على صحة القول بالمبدإ والمعاد.

ثم شرع في شرح أحوال من لا يؤمن بالمعاد ومن يؤمن به فقال: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا عن ابن عباس ومقاتل والكلبي: معناه لا يخافون البعث كقوله تعالى:

وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء: ٤٩] واستبعد الأكثرون تفسير الرجاء بالخوف وقالوا: إنه بمعنى الطمع أي لا يطمعون في حسن لقائه كما يأمله السعداء، أو لا يتوقعونه أصلا لأنهم لا يؤمنون بالمعاد فهم ذاهلون عن طلب اللذات الحقيقية فارغون عن التوجه نحو السعادات الباقية وَرَضُوا مع ذلك بِالْحَياةِ الدُّنْيا الحسية الخسيسة وَاطْمَأَنُّوا

<<  <  ج: ص:  >  >>