للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَباتُ الْأَرْضِ فيحتمل أن يراد أن نباته ثم وصوله إلى حد الكمال كليهما بسبب المطر، ويحتمل أن يراد أن النبات كان في أول بروزه ومبدإ حدوثه غير مهتز ولا مترعوع، فإذا نزل المطر عليه اهتز وربا حتى اختلط بعض الأنواع ببعض وتكاثف. حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها قال الجوهري: الزخرف الذهب ثم يشبه به كل مموه مزوّر. وَازَّيَّنَتْ أصله تزينت فأدغم واجتلبت لذلك همزة الوصل. وهذا كلام في نهاية الفصاحة وفيه تشبيه الأرض بالعروس التي تأخذ الثياب الفاخرة من كل لون فتلبسها، ثم تزين بجميع الأقسام المعهودة لها من حمرة وبياض ونحوها وَظَنَّ أَهْلُها أي غلب على ظنونهم أو تيقنوا أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها متمكنون من تحصيل ريعها. أَتاها أَمْرُنا بإهلاكها واستئصالها وضربها ببعض العاهات. لَيْلًا أَوْ نَهاراً أي حين غفلتهم بالنوم أو حين اشتغالهم وتقلبهم في طلب معايشهم فَجَعَلْناها أي زرعها حَصِيداً شبيها بما يحصد من الزرع في قطعه واستئصاله. كَأَنْ لَمْ تَغْنَ أي كأن الشأن لم يلبث زرعها بِالْأَمْسِ أي في زمان قريب. يقال: غنى بالمكان بالكسر يغنى بالفتح إذا أقام به. والأمس مثل في الوقت القريب. هذا والصحيح عند علماء البيان أن هذا التشبيه من التشبيه المركب. قال في الكشاف: شبهت حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بحال نبات الأرض في جفافه وذهابه حطاما بعد ما التف وتكاثف وزين الأرض بخضرته ورفيفه. وقيل: المراد أن عاقبة هذه الحياة التي ينفقها المرء في باب الدنيا كعاقبة هذا النبات الذي حين عظم الرجاء به وقع اليأس منه، لأن الغالب أن المتمسك بالدنيا إذا اطمأن بها وعظمت رغبته فيها وانتظم أمره بعض الانتظام أتاه الموت. وتلخيصه أنه كما لم يحصل لذلك الزرع عاقبة تحمد فكذلك المغتر بالدنيا المحب لها لا يحصل له عاقبة تحمد. ويحتمل أن يكون هذا مثلا لمن لا يؤمن بالمعاد، فإن الأرض المزينة إذا زال حسنها فإنه يعود رونقها مرة أخرى فكذا النشور كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ نذكر واحدة منها بعد الأخرى لتكون كثرتها وتواليها سببا لقوة اليقين وموجبا لزوال الشك لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ في أحوال الآفاق والأنفس. ثم لما نفر المكلفين عن الميل إلى الدنيا بالمثل السابق رغبهم في الآخرة بقوله: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ ومثله ما

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيد بنى دارا وصنع مائدة وأرسل داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل ورضي عنه السيد، ومن لم يجب لم يدخل ولم يأكل ولم يرض عنه السيد، فالله السيد والدار دار السلام والمائدة الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم» «١»


(١) رواه البخاري في كتاب الاعتصام باب ٢. الدارمي في كتاب المقدمة باب ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>