للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرْهَقُها قَتَرَةٌ أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ

[عبس: ٤٠- ٤٢] ولقوله بعدها وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ والضمير عائد إلى هؤلاء. ثم إنه وصفهم بالشرك. وقال الآخرون: اللفظ عام يتناول الكافر والفاسق إلا أن الآيات المذكورة مخصصة. ثم شرح بعض أحوال المشركين في القيامة فقال: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ منصوب بإضمار «اذكر» أو ظرف متعلق بتبلو أي في يوم كذا تبلو كل نفس. وحاصل الكلام أنه يحشر العابد والمعبود ليسألوا فيتبرأ المعبود من العابد خلاف ما كانوا يزعمون من قولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله. وفيه إشارة إلى أن الممكن لا نسبة له إلى الواجب الحق، فإذا اتخذ الممكن معبودا برىء من ذلك في مقام لا ينفع إلا الصدق. قال في الكشاف: مَكانَكُمْ أي الزموا مكانكم لا تبرحوا حتى تنظروا ما نفعل بكم. وعند أبي علي هو اسم من أسماء الأفعال وحركته حركة بناء وهو كلمة وعيد عند العرب. وأَنْتُمْ لتأكيد الضمير في مَكانَكُمْ لسده مسد قوله:

«الزموا» . وَشُرَكاؤُكُمْ عطف عليه. فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ ففرقنا بينهم وقطعنا الوصل التي كانت بينهم في الدنيا. قيل: عين الكلمة «واو» لأنه من زال يزول. وإنما قلبت ياء لأن وزن الكلمة «فيعل» أي زيولنا مثل بيطره أعل إعلال سيد. وقيل: هي من زلت الشيء أزيله، فعينه على هذا ياء والوزن «فعل» ونظير زيلنا قوله: وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ [الآية: ٤٨] لأن حكم الله بأنه سيكون كالكائن وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ في صحة هذه الإضافة وجوه منها: أنهم جعلوا نصيبا من أموالهم لتلك الأصنام فهم شركاؤهم. ومنها أنهم متشاركون في الخطاب في قوله: مَكانَكُمْ ومنها أنهم أثبتوا هذه الشركة والشركاء.

وقيل: هم الملائكة لقوله: ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون وقيل: كل من عبد من دون الله. وقيل: الأصنام لأن هذا الخطاب مشتمل على التهديد وأنه لا يليق بالملائكة المقربين. وكيف تنطق هذه الأصنام؟ قيل: لأن الله يخلق فيهم الحياة والعقل والنطق. ثم هل يبقيهم أو يفنيهم؟ الكل محتمل ولا اعتراض لأحد عليه. وقيل: يخلق فيهم الكلام فقط. وهذا الخطاب تهديد في حق العابدين فهل يكون تهديدا في حق المعبودين؟ قالت المعتزلة: لا، لأنه لا ذنب للمعبودين ومن لا ذنب له يقبح من الله تهديده وتخويفه. وقالت الأشاعرة: لا يسأل عما يفعل. أما قول الشركاء ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ وهم كانوا قد عبدوهم فالمراد أنكم ما عبدتمونا بأمرنا وإرادتنا لقولهم:

فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً الآية. ومن أعظم أسباب الغفلة كونها جمادات لا حس لها ولا شعور. وقيل: لما في ذلك الموقف من الدهشة والحيرة فذلك الكذب يجري مجرى كذب الصبيان والمجانين والمدهوشين. وقيل: إنهم ما أقاموا لأعمال الكفار وزنا فجعلوها

<<  <  ج: ص:  >  >>