للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأموال وتشاورهم في تدبير هلاكك وإبطال أمرك، وبالجملة كل ما يتكلمون به في شأنك من المطاعن والقوادح. ثم استأنف قوله: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ كأنه قيل: ما لي لا أحزن؟

فقيل: لأن العزة لله. جَمِيعاً إن الغلبة والقهر له ولحزبه كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة: ٢١] وقرىء «أن» بالفتح لا على أنه بدل فإن ذلك يؤدي إلى أن القوم كانوا يقولون إن العزة لله جميعا والرسول كان يحزنه ذلك وهذا كفر، بل لأن التقدير لأن العزة على صريح التعليل، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم واثقا بوعد الله تعالى في جميع الأحوال وإن كان قد يقع في بعض الحروب والوقائع انكسار وهزيمة فإن الأمور بخواتيمها. ثم أكد الوعد بقوله: هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يسمع ما يقولون ويعلم ما يدبرون فيكفيك شرهم.

ثم زاد في التأكيد مع إشارة إلى فساد عقيدة المشركين فقال: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ فخصص ذوي العقول إما للتغليب وإما لأن الآية سيقت لبيان فساد عقائد أهل الشرك، فذكر أن العقلاء المميزين- وهم الملائكة والثقلان- كلهم عبيد له ولا يصلح أحد منهم لأن يكون شريكا له فما وراءهم ممن لا يسمع ولا يعقل كالأصنام أولى بأن لا يكون ندا له. ثم أكد هذا المعنى بقوله وَما يَتَّبِعُ «ما» نافية ومفعول يَدْعُونَ محذوف أي ليس يتبع الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ شركاء في الحقيقة إنما هي أسماء لا مسميات لها لأن شركة الله في الربوبية محال. وإنما حذف أحد المكررين للدلالة، فالأول مفعول يَدْعُونَ والثاني مفعول يَتَّبِعُ ويجوز أن تكون «ما» استفهامية بمعنى أي شيء يتبعون. وشُرَكاءَ على هذا نصب ب يَدْعُونَ ولا حاجة إلى إضمار. ويجوز أن تكون «ما» موصولة معطوفة على «من» كأنه قيل: ولله ما يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاء أي وله شركاؤهم. ثم زاد في التأكيد فقال: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ وقد مر مثله في سورة الأنعام. ثم ذكر طرفا من آثار قدرته مع إشارة إلى بعض نعمه فقال: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ طلبا للراحة وَالنَّهارَ مُبْصِراً ذا إبصار باعتبار صاحبه أي جعله مضيئا لتهتدوا به في حوائجكم وهذان طرفان من منافع الليل والنهار إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ سماع تأمل وتدبر وقبول.

ثم حكى نوعا آخر من أباطيلهم فقال: قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ وقد مر في «البقرة» . ولما نزه نفسه عن اتخاذ الولد برهن على ذلك بقوله: هُوَ الْغَنِيُّ وتقريره أن الغنى التام يوجب امتناع كونه ذا أجزاء، وحصول الولد لا يتصور إلا بعد انفصال جزء منه يكون كالبذر بالنسبة إلى النبات، وأيضا إنما يحتاج إلى الولد وإلى توليد المثل الذي يقوم

<<  <  ج: ص:  >  >>