للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ؟ الجواب أنه لم يكن ذلك طردا مطلقا وإنما عين لأجلهم أوقاتا مخصوصة، ولأشراف قريش أوقاتا أخرى فعوتب على ذلك القدر. احتجت المعتزلة بالآية على عدم الشفاعة للفاسق إذ لو كانت جائزة لكانت في حق نوح أولى، فلم يقل من الذي يخلصني من عذابه. وأجيب بأنه مخصوص بآيات العفو. ثم ذكر أنه كما لا يسألهم مالا فإنه لا يدعي أن عنده خزائن الله حتى يجحدوا أن له فضلا عليهم من هذه الجهة. وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ حتى أصل به إلى ما أريده لنفسي ولأتباعي وأطلع على الضمائر وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ أتعظم بذلك عليكم بل طريقي الخضوع والتواضع وعدم الاستنكاف عن مخالطة الفقراء وقد مر في «الأنعام» سائر ما يتعلق بالآية. ومعنى تَزْدَرِي تعيب وتحقر والازدراء افتعال من زرى عليه إذا عابه. وفي قوله تعالى اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ دلالة على أنهم كانوا ينسبون اتباعه مع الفقر والذلة الى النفاق إِنِّي إِذاً أي إن قلت شيئا من ذلك كنت من الظالمين لنفسي. أو إن قلت إن الله لن يؤتيهم خيرا مع أنه لا وقوف لي على باطنهم. ثم إن قومه وصفوه بكثرة الجدال قائلين يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا قال أهل المعاني: أردت جدالنا وشرعت فيه فأكثرته كقولك: جاد لي فلان فأكثر. لم ترد أنه أعطى عطيتين أقل فأكثر بل تريد أن الوصف مقارن للموصوف. وفي الآية دلالة على أن الجدال في تقرير دلائل التوحيد من دأب أكابر الأنبياء. ثم استعجلوا العذاب الذي كان يتوعدهم به فأجاب نبي الله بأن ذلك ليس إليّ وإنما هو بمشيئة الله وإرادته ولا يعجزه عن ذلك أحد. وقوله: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي كقول القائل لامرأته:

أنت طالق إن دخلت الدار إن أكلت الخبز لم يقع الطلاق إلا إذا دخل الدار فأكل الخبز.

ولهذا قال الفقهاء: المؤخر في اللفظ مقدم في المعنى فكأنه قيل: إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فإن أردت أن أنصح لكم لم ينفعكم نصحي. واحتجاج الأشاعرة بالآية ظاهر.

وأجابت المعتزلة بأنه لا يلزم من فرض أمر وقوعه، ولعل نوحا إنما قال ذلك ليبين لهم أنه تعالى بنى أمر التكليف على الاختيار وإلا لم يكن للنصح فائدة، ولو تشبت الخصم بالجبر لزم إفحام النبي. ومن الجائز أن يراد بالإغواء التعذيب من غوى الفصيل إذا بشم فهلك، أو يراد به الخيبة كقوله: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: ٥٩] أي خيبة من خير الآخرة، أو يراد به منع الألطاف وقد تقدم أمثال ذلك مرارا. ثم أشار إلى المبدإ والمعاد بقوله: هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ثم أنكر الله سبحانه عليهم قولهم إنما ادعاء نوح أنه أوحي إليه مفترى فقال: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ فأمره بأن يجيب بكلام منصف وهو قوله: قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي أي عقاب إثمي وهو الافتراء. وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ أي من

<<  <  ج: ص:  >  >>