على تقدير سؤال سائل كأنه قيل: ماذا قال نوح حينئذ؟ ويحتمل أن يكون سَخِرُوا بدلا من مَرَّ أو صفة ل مَلَأٌ وقالَ جواب قيل كانوا يقولون: يا نوح كنت نبيا فصرت نجارا، ولو كنت صادقا في دعواك لكان إلهك يغنيك عن هذا العمل الشاق.
وقيل: إنهم ما رأوا السفينة قبل ذلك فكانوا يتعجبون ويسخرون. وقيل: إنها كانت كبيرة وكان يصنعها في مفازة بعيدة عن الماء فكانوا يقولون هذا من باب الجنون. وقيل: طالت مدته وكان ينذرهم الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة وليس منه عين ولا أثر فغلب على ظنونهم كونه كاذبا فيسخرون منه فأجابهم بقوله: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا في الحال فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ في المستقبل إذا وقع عليكم الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة، أو إن حكمتم علينا بالجهل فيما نصنع فإنا نحكم عليكم بالجهل فيما أنتم عليه من الكفر والتعرض لسخط الله، أو إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم في استجهالكم لأنكم لا تستجهلون إلا عن الجهل بحقيقة الأمر. والبناء على ظاهر الحال كما هو عادة الأغمار. وسمي جزاء السخرية سخرية كقوله: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى: ٤٠] ثم هددهم بقوله:
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ في الدنيا وهو عذاب الغرق وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ في الآخرة لازم لزوم الدين الحال للغريم. و «من» موصولة أو استفهامية وقد مر في «الأنعام» . روي أن نوحا عليه السلام اتخذ السفينة في سنتين وكان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين ذراعا وارتفاعها ثلاثين، وكانت من خشب الساج، وجعل لها ثلاثة بطون: الأسفل للوحوش والسباع والهوام، والأوسط للدواب والأنعام، والأعلى للناس ولما يحتاجون إليه من الزاد وحمل معه جسد آدم. وقال الحسن: كان طولها ألفا ومائتي ذراع وعرضها ستمائة.
قوله: حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا هي غاية لقوله: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ أي كان يصنعها إلى أن جاء وقت الأمر بالإهلاك. وَفارَ التَّنُّورُ أي نبع الماء منه بشدة وسرعة تشبيها بغليان القدر. والتنور هي التي يختبز فيها فقيل: هو مما استوى فيه العربي والعجمي. وقيل:
معرب لأنه لا يعرف في كلام العرب نون قبل راء. عن ابن عباس والحسن ومجاهد: هو تنور نوح. وقيل: كان لآدم وحواء حتى صار لنوح وموضعه بناحية الكوفة قاله مجاهد والشعبي.
وعن علي رضي الله عنه أنه في مسجد الكوفة وقد صلى فيه سبعون نبيا.
وقيل:
بالشام بموضع يقال له عين وردة قاله مقاتل. وقيل: بالهند. روي أن امرأته كانت تخبز فأخبرته بخروج الماء من ذلك التنور فاشتغل في تلك الحال بوضع الأشياء في السفينة وكان الله تعالى جعل هذه الحالة علامة لواقعة الطوفان.