بأن العبرة بقرابة الدين والعمل الصالح لا بقرابة النسب فقال: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ من قرأ على لفظ الفعل فمعناه أنه عمل عملا غير صالح وهو الإشراك والتكذيب، ومن قرأ على لفظ الاسم فللمبالغة كما يقال: فلان كرم وجود إذا غلب عليه الكرم والجود وفي قوله: غَيْرُ صالِحٍ دون أن يقول «فاسد» تعريض بل تصريح بأنه إنما نجا من نجا بالصلاح، ويحتمل على هذه القراءة أن يعود الضمير في إِنَّهُ إلى سؤال نوح أي إن نداءك هذا المتضمن لسؤال إنجاء ابنك عمل غير صالح. وقيل: المراد أن هذا الابن ولد زنا وقد عرفت سقوطه. ثم نهاه عن مثل هذا السؤال ووبخه عليه بقوله: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ قال المحققون: الظاهر أن ابنه كان منافقا فلذلك اشتبه أمره على نوح، وحمله شفقة الأبوة أوّلا على دعوته إلى ركوب السفينة، فلما حال بينهما الموج لجأ إلى الله في خلاصه من الغرق، فعوتب على ذلك لأنه لما وعده الله إنجاءه أهله واستثنى منهم من سبق عليه القول كان عليه أن يتوكل على الله حق توكله ويعلم أن كل من كان من أهله مؤمنا فإنه يخلص من الغرق لا محالة. ولما لم يصبر إلى تبين الحال توجه إليه العتاب على ترك الأولى فلذلك تنبه ورجع إلى الله قائلا رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ فيما يستقبل من الزمان ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ تأدبا بآدابك واتعاظا بعظتك. وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي ما فرط مني من الخطأ في باب الاجتهاد، أو من قلة الصبر على ما يجب عليه الصبر، وهذا التضرع مثل تضرع أبيه وأبينا آدم في قوله: رَبَّنا ظَلَمْنا [الأعراف: ٢٣] الآية. فلذلك عفى عنه.
وقِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ أي من السفينة بعد استوائها على الجبل، أو انزل من الجبل إلى الفضاء ملتبسا بِسَلامٍ مِنَّا بسلامة من التهديد والوعيد بل من جميع الآفات والمخافات، لأنه لما خرج من السفينة كان خائفا من عدم المأكول والملبوس وسائر جهات الحاجات لأنه لم يبق في الأرض شيء يمكن أن ينتفع به من النبات والحيوانات.
وقيل: أي مسلما عليك مكرما. والبركات الخيرات النامية الثابتة، وفسروها في هذا المقام بأنه وعد له بأن جميع أهل الأرض من الأشخاص الإنسانية يكون من نسله إما لأنه لم يكن في السفينة إلا من هو من ذريته، وإما لأنه لما خرج من السفينة مات من لم يكن من أهله وبقي النسل والتوالد في ذرّيته، دليله قوله سبحانه وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ [الصافات: ٧٧] فنوح آدم الأصغر. وقيل: لما وعده السلامة من الآفات وعده أن موجبات السلامة والراحة تكون في التزايد والثبات لا عليك وحدك بل وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ إن كان «من» للبيان فالمراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة لأنهم كانوا جماعات، أو هم أصل