والأحباب وأهل الموافقة في الدين، فكيف أظهرت العداوة والبغضاء؟ ثم أضافوا إلى هذا الكلام التمسك بالتقليد ومتابعة الآباء، ثم صرحوا بالتوقف والريب في أمره. ومريب من أرابه إذا أوقعه في الريبة، أو من أراب الرجل إذا كان ذا ريبة وهو من الإسناد المجازي واعلم أن قوله وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ بنون الوقاية هاهنا على الأصل، وأما في سورة إبراهيم فإنما قال: وإنا بغير نون الوقاية لقوله بعده: تَدْعُونَنا [الآية: ٩] على الجمع فكان اجتماع النونات مستكرها. فأجابهم هو بقوله: إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ الآية. وبنى أمره على الفرض والتقدير لأن خطاب المخالف على هذا الوجه أقرب إلى القبول كأنه قال: قدروا أني على بينة مِنْ رَبِّي وأني نبي على الحقيقة فمن يمنعني من عذاب الله إِنْ عَصَيْتُهُ في أوامره فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ أي على هذا التقدير تخسرون أعمالي وتبطلونها، أو فما تزيدونني بما تحملونني عليه إلا أني أنسبكم إلى الخسران وأقول إنكم خاسرون.
والمعنى الأول أقرب لأنه كالدلالة على أن متابعتهم لا تزيده إلا خسران الدارين. وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ قد مر تفسيره في «الأعراف» . ومعنى عَذابٌ قَرِيبٌ عاجل لا يستأخر إلا ثلاثة أيام وغَيْرُ مَكْذُوبٍ من باب الاتساع أي غير مكذوب فيه فحذف الحرف.
وأجرى الضمير مجرى المفعول به أو من باب المجاز كأن الوعد إذا أوفى به فقد صدق ولم يكذب أو المكذوب مصدر كالمجلود وصف به.
قوله: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا بالفاء. وفي قصة هود بالواو ولمكان التعقيب هاهنا بدليل قوله: عَذابٌ قَرِيبٌ ومثله في قصة لوط لقوله: أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ [هود: ٨١] وأما في قصة هود فإنه قال: وَيَسْتَخْلِفُ بلفظ المستقبل ومثله في قصة شعيب فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ بحرف التسويف فلم يكن الفاء مناسبا. واعتبر هذا المعنى في سائر المواضع كما في سورة يوسف قال: وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ [الآية: ٥٩] بالواو أوّلا لأن التعقيب لم يكن مرادا ثم قال: فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ [الآية: ٧٠] لمكان التعقيب والله أعلم. قوله:
وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ معطوف على محذوف والتقدير نجينا صالحا ومن معه من العذاب النازل بقومه ومن الخزي الذي لزمهم، أو يتعلق بمعطوف محذوف أي ونجيناهم من خزي يومئذ كما قال: وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ والمعنيان كما قلنا هناك. والقراءتان في يَوْمِئِذٍ لأن الظرف المضاف إلى «إذ» يجوز بناؤه على الفتح، والتنوين في «إذ» عوض من المضاف إليه أعني الجملة، والتقدير يوم إذ كان كذا وكسر الذال للساكنين إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ القادر الغالب فمن قدرته ميز المؤمن من الكافر، ومن عزته وقهره أهلك الكفار بالصيحة التي سمعوها من جانب السماء إما بواسطة جبرائيل وإما لإحداثها في